|
الإرث القصصي للأمازيغ |
الإرث القصصي الأمازيغي
الإرث القصصي الأمازيغي هو موضوعنا اليوم ، والذي يعتبر من مكونات الموروث الثقافي لهذا الشعب المغاربي العريق .
ولكل مجتمع إرثه الثقافي الجميل الخاص به ، والمتلبس بكل خصوصياته ، يميزه بمافيه من جماليات سوسيوثقافية والتي كثيرا ما تجعل المتتبع له يقف منبهرا أمام إبداعات ذويه وإنتاجاتهم...
إنه الإرث الثقافي ؛ تراث الأجداد الأصيل ، وكما نعلم فالتراث ذاكرة الشعوب ، ومسألة الحفاظ عليه لابد وأن تكون من الأساسيات .
فهو جزء من ثقافة أي أمة ، ويجمع كل القيم الإنسانية الجميلة ، وبعين أبناءه مؤكد يكون أجمل وأروع كونه يجمع بين طياته الحنين للجذور والأصل .
وبالتراث يلتحم الأبناء بتاريخ الأباء وماضي الأجداد ، وبهذا الإرتباط تتكون هناك حلقة تواصل متينة بين الحاضر والماضي ، فكأنها سلسلة ونريدها أن تظل قوية متماسكة .
لهذا لابد من توعية الأجيال القادمة بتراثهم ، ليسعوا للمحافظة عليه باعتباره ثروة حقيقية للوطن ، فهو تراث الأجداد والآباء ، وهم مسؤولون عنه .
وإرث الأجداد يشمل الأماكن ، والأشياء ، والعادات ، والممارسات ، والتعبيرات الشفهية الفنية .
فهو إذا جامع للتحف المادية و الغير المادية ...والتي نسعى للحفاظ عليها حبا واشتياقا لماض يجمعنا ، سعيا لتقوية أواصر الأخوة بيننا .
ولأجدادي الأمازيغ بإرثهم الثقافي إرث بمجال القصص واسع انمحى منه الكثير ، وماتبقى من المتداول لعهد آباءنا إلا القليل .
وهذا القليل مآله حتما الضياع إن لم يوثق من الأبناء والأحفاد . وهذه سطور قليلة ستأخذك زائرنا لإحدى سهراتهم بخمسينيات القرن العشرين ... إنه الزمن الجميل ببساطته .
الإرث القصصي والأسئلة المحبطة
وهنا قد تستوقفنا أسئلة تحبيطية من بعض المستخفين ! قائلين : ما فائدة هذا الإرث الثقافي القصصي؟!
إنه إرث لن يدخل الجنة ولن يقي دخول النار ! ولن يساعد بالتصدي لكورونا اللعينة ، وعلاج مستعصى الأمراض ! ولن يمنع زحف الرمال إلينا ، ولن يقفل الثقب الأزوني ، ويحمي غلاف الجو حوالينا !
وقد يقاطعهم آخرين بقولهم : ولن يرد لنا هيبتنا ، ويرفع الديون عن أوطاننا ! ولن يساعد بتقديم المعونة لفقراءنا وبؤساءنا ، ولن ويواسي منكوبينا ! ولن يجلب الحياء والعفة لبناتنا ، وينشر الأخلاق الكريمة بين نساءنا ! ولن يكسب العزيمة وحب تحمل المسؤولية لأبناءنا ، ويلبس الرجولة والنخوة والعزة لرجالنا !
ولن يقوي من ضعف مناهجنا الدراسية ، و يمسح غبار المهانة عن جامعاتنا ولن ولن...الكثير الكثير ممكن أن يقال عن ما أهمية هذا الإرث القصصي الجميل بعلاج علاتنا!؟
لكن الجواب البديهي للمتحمسين هو أن الحفاظ عليه لن يمنع تديننا ، و الإهتمام به لن يزيد علتنا ، ولن يعوق شفاءنا ، ولا ذنب له أيضا بحلول العلل بنا ، ولن يمنع تقوية شوكتنا ، ولن يمنع وحدتنا ، ولن ولن ولن...الكثير الكثير من المتمنيات الخيرة ، لن يمنعها عنا .
بل ربما ساعد حفاظنا على ثراتنا في تقوية روابطنا ، ونشر المحبة بيننا ، فتتوطد بالتالي علاقاتنا وبكل مايربطنا ببعضنا ، فنحب أوطاننا بأي حال هي ، ونسعى لها بالتالي للخير ، ونتمنى لها أطيب المتمنيات ، لأن القلب إزداد حبا لها ، والكيان صار متمسكا بها .
الإرث القصصي والإمتلاء النفسي
فالمؤسف إذا ضياع موروثنا الثقافي لأنه جميل ، أو ربما لأنه تراثنا ، نراه نحن الأمازيغ جميلا ، فهي مسألة المثل القائل:(كل خنفوس عند مو غزال) .
فنحن نراه كذلك ، و نحس أنه يستحق أن لا يضيع ، هو إرث رغم بساطته ؛ سينعشك لو تذوقته ، لأن كلاكما قطعة منهم ، نعم ! إنهم الأجداد!!
إنه شيق وتعتريه نسائم الطفولة الجميلة لأبائنا ، نراها بأعينهم وهم يكلموننا عنه ، ونحسها بالإشراقة التي تملئ وجوههم وهم يقصوه علينا ، فهو إرث يحيي نفوسهم وينعشها.
ومؤكد له تأثيره القوي على الأبناء و الأحفاد ، فيعطيهم إحساسا بالإنتماء وبالتالي بالإمتلاء النفسي ، فالمنتوج الثقافي للأجداد هو الحلقة المتينة لربط الأحفاد بالجذور .
كان يحكى لنا وقد نضحك ونستأنس به قليلا ، لكننا كنا نفضل كتب قصصنا المصورة الملونة ، وكثيرا مانتسلل من قصه لهم علينا ، لنأخذ قصصنا وندخلها ونعيش عوالم غيرنا .
لكنهم يصرون على حكيه لنا بين الفينة والأخرى ، ونحن مجتمعين للعشاء ، أوقد يربطوه بما نتفرج عليه نحن بالتلفاز من برامج الأطفال :"رسوم متحركة" ، فهم مصرون أن تصل إلينا تفاصيل طفولتهم الجميلة ، ويشاركونا إياها .
الآن بعد أن كبرنا ، صار الحنين يربطنا بهذا الإرث أكثر ، فهناك نحن نجد أنفسنا ، لأن هناك عالم أجدادنا ، وربما الفضل في هذه الصلة التي ظلت متينة بين الماضي والحاضر ، هم الأباء أطال الله بعمرهم ، ورحم الميت منهم.
فهم يصرون على ربطك بجدك بالحكي عنه ، وعن قصصه ، وعن ذكرياتهم معه ... ويأتون بك لتتعرف على ارضك ، ونخلك ، وساقيتك ، وقصرك،....كلها أعمدة تقوي حائطك النفسي ، فيستقيم صعوده و يحفظ وقفته مهيبا شامخا .
فانتازيا القصص الثراتي
ولحكاويهم إرتباط بطبيعة معيشتهم ، وقد تتسع رقعة حكاويهم ، فتكون لهم قصص فيها إبداع ، تتطاير خيالاتهم هنا وهناك .
فتموركيست Tamourkist هي العقدة بالأمازيغية، ومنها تكونت كلمة: تيموركسنين بمعنى المنعقدة إن صحت الترجمة .
فهي إحدى الفانتازيات الرائعة ، لأناس أميون سرح بهم خيالهم ، فأنتجوا تلك اللقطات الخفيفة الروح ، المسلية والمرتبطة بوسطهم الجميل ، من حقل ونهر ونخل.
فنجد بهذه القصة ، الأكاذيب تماسكت فيما بينها بعقد إلى أن صارت أكذوبة مكونة من أكاذيب عديدة متسلسلة تسلسلا مسليا ، يعيشها مع الحكواتي المستمع بمرح ويفاجئ بكل مرحلة ومع كل عقدة ، بخيال كاذب مرح .
بروتوكولات السرد القصصي
كانو يجتمعون بكبارهم وصغارهم ، فقد كانت القصة تلفازهم حينها ، وإنتاجهم الدرامي أو السينمائي وقتها يستأنسون على وقعها بعقولهم ، وهم ملتفين حول التدفئة بليالي الشتاء الباردة ، و بعد وجبة عشاء ساخنة والتي هي عبارة عن الكسكس الأمازيغي بالخضر والمرق الساخن.
أو تحت النجوم ، بليالي الصيف الرائعة ، بعد عشاء بسيط والذي هو أيضا عبارة عن الكسكس البارد و المخلوط باللبن اللذيذ الخاثر المبرد.
فتبدأ حكاويهم ببرتوكول إلزامي ببداية السهرة القصصية ، لن يبدأ القاص كلامه إلا وبدأ به وهو قوله: /نزور ربي ور نزوير لقصات Nzou rrebbi our nezwir lkissat والتي تعنى: أن بداية كلامه بذكر الله وليست بالقصص ، وقد يسبقها بأمره لهم قائلا:
صليو عنبي Selliw alanbi أو قد يتبعها لها ، وهي طلب من المستمعين أن يصلوا على النبي ، فيعم الهدوء بعدها للإنصات ، ويبدأ قصته بقوله: /ناناك Nnanak بمامعناه :قالوا، والمقصود بها طبعا الأولون ، لأنه سيعيدها بالأخير بصيغة أخرى وتتضح أكثر.
وبعد متم القصة ينهي القاص سرده بقوله: /زرغتن كشر دوغد كلهنا Zrightten g cher, ddoughd g lehna بمامعناه :أنه ترك الحكاية وشخصياتها الخيالية الشريرة من غول أو وحش وأحداثها كيفما كانت ، بماتوالى فيها من أحداث الحقد أو بغض أو خبث ، ورجع هو بأمان الله بسلام.
وينهي كلامه مخاطبا الجمع ضاحكا و مستغربا بطيبوبة: /أيدغ أيد نان إيمزوورا Ayddegh, ayd nnan imezwoura بمامعناه: هذا ماقاله الأولون ، أي أنه بريئ من صدق ماحكى ، هو فقط سمع عنهم و حكى عنهم.
..فيفترق الجمع متبادلين الجملة الإعتيادية لديهم جميعهم: /نستاس كلمان Nsatas g lman والتي معناها: تمنيات بمبيت آمن ، ويجيب بعضهم بعضا: /تمونم دوايض Tmounm dwayd أي ومبيتكم أيضا آمن .
فيتفرقوا وكلهم سعادة بيومهم الجميل ، وكلهم أمل بغد أكثر جمالا.
إنهم الأجداد ، أمازيغ الجنوب الشرقي الرائع.
خاتمة
كم هو جميل حقا !! إنه التراث ، يجمع كل القيم الإنسانية و يسهم في التواصل ، بل إن باحثين مهتمين و سوسيولوجيين ، نادوا بإدماج التراث في مناهج طلبة المدارس ، وقالوا أنه أصبح ضرورة مع ماأصبح منتشرا بمجتمعاتنا من تفرقة وشتات.
فمن خلال دراسة التراث سيجتمع الكل ، ويرتبطوا ارتبطاً وثيقاً بتاريخ الآباء وماضي الأجداد ، لا سيما أن التراث مادة سلسة ومثيرة ، وذلك بإعطائهم أنشطة وواجبات متعلقة حول التراث و تشجيعهم على إجراء أبحاث بخصوصه.
فلابد إذا من توثيق إرث أجدادنا الثقافي و تاريخهم من خلال الكتب والمناهج الدراسية ، والأنشطة المنهجية واللامنهجية ، مما يسهم بشكل كبير في ربط الماضي بالحاضر، وعدم الاكتفاء بالتراث الشفهي المهدد بالنسيان.
وكل ذلك بالتأكيد سيسهم في تعزيز حب الوطن في نفوس الأبناء ، وسيلعب دوراً بارزاً في توعيتهم للإعتزاز بهويتهم وتراثهم الأصيل ، فالمطلوب أرشفة التراث ، كي لا يكون مآله طي النسيان ، وهو دور كبير يلعبه الباحث والمهتم بنقل التراث من جيل إلى جيل .
كتبت بصيف كورونا
10/07/2020
Written in summer of Corona