القصة الأمازيغية الرابعة، السلام عليك زائرنا الكريم مدونتك مجالس الإخوة Majalis-Al-ikhwa يزيد بهاءها بمتابعتك لها، وبعد أن كنت معها بالقصة الثالثة سيكون مجلسنا اليوم مع قصتنا الأمازيغية الرابعة "عدي المسحراتي" المصاغة ترجمتها باللغة العربية، فمرحبا بك.
القصص الأمازيغي وذكريات جدي
وأنا أقلب صفحات ذكرياتي مع جدي ، عاد بي حنيني للأول وصوله عندنا ، فطبيعة عمل أبي شاقة ونادرا مانسافر لبلدتنا البعيدة ، فكان يكتفي هو بزيارتهم ليومين ويعود .لكن الآن هاهو جدي ببيتنا ، بشعره الأبيض وعكازه البني المنقوش ، كأنه أحد الحكماء من الزمن القديم ، كان منظره مثيرا بالنسبة لي .
ومنذ ذلك اليوم الذي طالبته أن يقص لي من قصص الأمازيغ القديمة لأني سأدونها بمذكراتي ، صار يترقب وصول ليلة السبت لنسهر سهرتنا المعتادة ، هو يقص وأنا أستمع .
وخصوصا بعد أن علمت أن الطبيب نصحهم أن يظهروا الإهتمام بكل مايقوله جدي كي لايتفلت منا ، فهو ببداية منحدر ذلك اللعين الزهايمر ، وصار كثير السهو .
قال أبي لابد أن نجعله يكثر الكلام لينشط دماغه ويتيقظ إن صح القول ، ورغم صغر سني فقد إستطاع أبي أن يقنعني أن أهتم بجدي .
قررت التخلي على لوحتي الإلكترونية لساعة يوميا ، لكن بعد أن تعودت على جدي ، أشفقت عليه كثيرا وصرت أجالسه أكثر أوقات فراغي ، وتكون سعادتي لو تمكنت من جعله يتكلم ويحكي ، لأحسسه أنه مازال عنده مايقول .
القصة الأمازيغية : "عدي المسحر"
بكل رمضان أتذكر قصة "عدي المسحراتي" ، إنه شخصية جميلة و مثيرة كانت ببلدتنا ، قال جدي أنه كان يتغنى بترانيم أمازيغية جميلة جدا ، وأخذ جدي يتغنى لي بها ، صراحة أنا ماتذوقتها حينها ، لكن السعادة التي كانت ترسم على وجه جدي ، كانت تفرحني فأبتسم له ، وأسايره محركا رأسي معه .
قال جدي أن عدي هذا كان مشهورا بطبلته المزركشة ، يتغنى بها متخشعا ، وهو يجوب أزقة البلدة بجوف الليل ليوقظ الأهالي للسحور ، فهي مهنة ورثها عن أبوه ، ويكسب منها هبات ، فأحدهم يعطيه مالا ، وآخر قد يعطيه طعاما .
وبصبيحة عيد الفطر ، يعاود دورته كاملة على كل البلدة ، بنفس الترنيمة لكن ببيت شعري مختلف ، فطيلة ليالي رمضان ، يردد بيت شعري واحد تحفيزي للإجتهاد للفوز بالرحمات والبركات ، وبالعيد يردد بيت شعري جديد عبارة عن تهنئة للفائزين ولوم للمتهاونين ، ومايميز دورته بصبيحة العيد أيضا ، أن حوله أطفال البلدة جميعهم ، يرددون وراءه مايقول فرحين ، ويكون له حظ من زكاة الفطر ومن حلويات العيد .
ورغم توفر كل الإمكانيات المساعدة على الإستيقاظ للسحور بزمن جدي عكس أيام أجداده ، إلا أن أهالي البلدة ألحوا على" عدي المسحراتي " لزوم عادة أجداده الجميلة ، التي تعيدهم نسائمها لأيام طفولتهم السعيدة ، فالعم عدي من جيلهم ، جيل الزمن الجميل ، كما يسميه جدي .
عدي المسحراتي والإسكافي
وقد نافسه عليها إسكافي غريب سكن البلدة بأحد الأعوام ، فاشترى طبلته هو الآخر ليجول ويدندن بها ، و طبعا بهكذا فعل سيتقاسمان الهبات بينهما ، لكن أكثر أهل البلدة تعاطفوا مع العم عدي ، وكلما أخرجوا هبة سواء كانت مالا أو طعاما يخصونه بها .
فرفض هو تصرفهم ذاك ، وقام ليقاسم الإسكافي ، لكن هذا الأخير لم تقبل كرامته ذلك ، وأصر مدام العمل تطوعي و فيه أجر عند الله ، فلما يظل عدي المستحوذ عليه ؟ فليكن لكل منهما يومه .
فتدخل كبار القبيلة ، وقرروا تقسيم الليالي بينهما ، وعملوا لهما قرعة للإنصاف ، وكان نصيب العم عدي الليالي الفردية ، والإسكافي الليالي الزوجية ، فلم يقبل هذا الأخير القسمة ، على إعتبار أن الليالي الفردية ليالي مباركة ، فلما يفز بها عدي دونه هو!؟
مما جعلهم يقررون ليلتين لعدي وليلتين للإسكافي ، وبهكذا حل تتساوى حظوظهما للفوز بأجر السعي بالليلة المباركة التي هي خير من ألف شهر .
وصار الكل متعاطف مع عدي المسحراتي ، وماأخرجوا الهبات بليلة الإسكافي ، بدريعة أنهم يستفيقون من هواتفهم ، ولا ينتظرون طبلة الإسكافي ، وإنما حبا بعدي ، وأهازيجه أحبوا أن لاتنقطع تلك العادة بالبلدة ، فحزن العم عدي ، وأخبرهم أنه لن يداوم بليلته ماداموا لايعاملاهما سواء .
وكان ذلك أول سحور رمضان بتاريخ قريتي يقول جدي يمر بلا طبلة المسحراتي ، وجاؤوه الأهالي بالغد نادمين وقالوا أنهم مخطئون ، وسيعتبرون مايخرجوه لوجه الله وليس حبا بالإسكافي .
خاتمة
مما جعل هذا الأخير ينسحب من الموضوع ككل ، بعد أن تأكد له أنه غير مرغوب فيه ، وقال أنه لن يقبل أن تعطى له هبة بلا حب ، وبهكذا ظل عدي هو مسحراتي البلدة بلا منازع .
فياترى ياعم عدي ، إن لم تكن لزمت بيتك برمضان الجائحة التي مرت بكم بهذاك الزمان ، هل التزمت بالتعليمات كلها ولبست كمامتك ؟؟؟
☆☆☆☆☆☆☆كتبت برمضان الكورونا
1441/2020
Written in Ramadan Corona