الإستماع الجيد والعلاج النفسي هو موضوعنا، السلام عليك زائرنا الكريم مدونتك مجالس الإخوة Majalis-Al-ikhwa يزيد جمالها بمتابعتك لها، وسيكون مجلسنا اليوم مع"أجواء النفس البشرية"، فمرحبا بك.
الإستماع الجيد والعلاج النفسي |
الإستماع الجيد وحاجتنا إليه نفسيا
الإستماع الجيد المتفهم ؛ هو مايحتاجه الإنسان أحيانا ، فنحن بزمن ازدادت فيه الضغوطات بشكل كبير ، وصار يعاني منها الصغير والكبير ، فتجد النفس البشرية وسط كل ذلك ، وكأنها زورق وسط بحر هائج ؛ تتقاذفه الأمواج يمينا وشمالا ، وترفعه أحيانا صعودا ؛ واحيانا تهوي بها نزولا .
ضغوطات الحياة والتوازن النفسي
وبالتالي فالإنسان المرهق نفسيا أشد إحتياجا إلى من يسمعه ولا يقاطعه بنصائح وتوجيهات ، لأنه ملها و شبعها وأثقلت كاهله ، و هو يحتاج في حالته تلك أن يفضفض للآخر ليرتاح وينفس عن نفسه.
فمكالمة دواخله أتعبته ، ومؤكد لو استمرت تلك المحادثات ستصبح من المكبوتات المكتومة و ستحوله من شخص بروح بهيجة مرحة إلى شعلة خامدة بنفسية مضطربة.
فالإستماع الجيد له قدرة الشفاء ، وبمجرد التحدث إلى شخص يستمع لنا بإهتمام ، حتى لو استمع دون تقديم حل ، فنحن نشعر تلقائيا بالتحسن ، مما يجعل للمستمع الجيد أهمية وقيمة لا تنكر.
التأثر بالضغوطات والمرض النفسي
ولا أحد ينكر أن المرض النفسي صار منتشرا على مستوى العالم ، وأكثر من ثلث سكان المعمور تعرضوا للإصابة بواحد من الأمراض النفسية في مرحلة معينة من حياتهم.
ومع ضغوطات الحياة قد يحصل لدى الانسان الضعيف عاطفيا خلل بتوازنه النفسي ، وأصعب ما يمكن أن يمر به الإنسان هو الخلل بتوازنه النفسي فيؤثر هذا على كل ما يقوم به.
فتأثر النفسية غالبا بالضغوطات الخارجية تجعله يتجه للعزلة والبعد عن الأقارب والمعارف مما يؤدي بالتالي الى تفاقم حالته وازدياد تعبه.
كما أن هذا الإختلال قد يخرجه عن أطواره وتحدث منه تصرفات غريبة ، وتحديدا بمجتمعاتنا لإنتشار الجهل والخرافات ، نجد الإنسان يهمل حتى تتدهور حالته ويصل للمراحل الاخيرة المستعصية .
أو قد يحاصر بنظرات دونية من المحيطين به فتزداد حالته من حبة مهدئ على حبة مضادة للإكتئاب ، على نظرة من أحدهم وكلمة من آخر ، لينتهي أمره للمصحة النفسية.
مع أنه كان من الممكن أن تنحل مشكلته بكل بساطة ، وذلك بمجرد تواجد من يتفهمه ويسمعه بإهتمام ، ليستعيد توازنه وترجع الأمور طبيعية.
المريض النفسي بحاجة لمن يسمعه
وكانت هذه مشاركة قيمة لربة بيت يمنية من صنعاء تدعى (أم الخير حسن) بإحدى المحادثات ب مؤتمرات تيد TED السنوية ، (وهي مؤتمرات عالمية تهدف لتعريف ونشر الافكار الجديدة والمتميزة للعالم وشعارها "أفكار تستحق الإنتشار") .
فكانت محادثة "أم الخير" عن كيفية إخراج الناس من حالاتهم النفسية قبل الإسراع و اللجوء الى دواء أو طبيب نفسي ، وحكت عن تجاربها مع حالات كانت لها معها محاولات علاجها بالإستماع والإستيعاب .
وهنا تساءلت "أم الخير" عن مالذي عملته مما لم يعمله الدكاترة النفسيين؟؟؟! فهم كانوا يؤدون عملهم كما يجب .
إلا أن بالنسبة للدكتور تعتبر الحالة التي أمامه رقم كذا ، وهي تتكلم الدكتور يحلل حالتها ويحدد مشكلتها ، ويقرر الدواء المناسب لها ، فيسمعها بأذنه ، ويحدد حالتها بخبرته ، ويكتب لها الدواء بعلمه .
الدعم والاحتواء النفسي
لكن الكثير من الناس بحاجة لمن يستمع لهم بقلوبهم ويحتاجوا لمن يفهمهم ويحس بهم ويحتويهم ، ويسمعهم بتقمص لوضعهم ، يحتاجون قلبا أكثر من إحتياجهم إلى حبة دواء.
هنا يبدأ الذين حوله يتجارون بأمره من شيخ الى دجال الى مشعوذ إلى أن يصل الى مرحلة أن يعذب بالضرب ليخرجوا الجن الذي يسكن جسده ، وبهذه الاثناء يكون وصل لمراحل متأخرة جدا صعب أن تحتويه بالإستماع والتفهم والتعاطف .
وتقول أم الخير هو ليس واحد أو ثنين أو خمسة أو عشر ، بل هم مايقارب إثنين مليون مريض نفسي ببلدها وتقول كان ممكن تنحل مشكلتهم بمجرد الإستماع.
وليس القصد الإستماع العادي الآلي اليومي ، بل هو الإستماع المتفهم والمتعاطف المتفاعل ، والتعاطف ليس بإبداء الشفقة والعطف ، وإنما التعاطف الذي يعني أنك تستمع بهدف تفهمه ، والتوصل لما يحس وماوراء كل تلك المشاعر .
ولكي نكون متعاطفين مع الشخص لازم نشوف العالم بعينه ، ونبين له بكلمات أننا نفهمه ونحس به ، وبالتالي نكون ساعدناه ، لايهم هل قدمنا حلول أو لا ، فمجرد تفاعلنا معه هذا بحد ذاته يريحه.
نماذج واقعية لحالات نفسية
تقول "أم الخير" أنها كثيرا ما تتعرف على أناس بقاعات الإنتظار أو بظروف أخرى، وتستقبل إتصالات بالساعات للكثيرين، وكلهم أناس متعبين نفسيا بحاجة فقط لمن يسمعهم .
قد يقول القائل أن لجوءهم لأخصائي نفسي يكون أسلم وأنفع فهو أهل الإختصاص والأدرى بموطن الداء، لكن "أم الخير" تقول أنها ترى أن الإسراع بالحالة للطبيب وهي ببداياتها قد يزيدها تعقيدا، بينما هي ماتحتاج إلا مجرد إستماع وإحتواء من المحيطين بها .
■حكت عن لقاء جمعها بإحدى الحالات وقالت أنها كانت مع إبنتها يوما لدى طبيب الأسنان، ولأن الإنتظار عادة مايطول فكرت وأخدت معها كتاب وكان كتابها لذلك اليوم عنوانه (لا تكن لطيفا أكثر من اللازم)، لفت عنوان الكتاب القريبة منها مجلسا فخاطبتها ضاحكة قائلة: وهل مازال من عنده لطافة بهذا الزمان ليحتاج لهذا الكتاب !
ومامرت إلا دقائق حتى صارت تحكي لها قصتها، وأنها كانت متزوجة ومغتربة بإحدى دول الخليج، وكانت تعنف من طرف زوجها مما جعلها تطلب الطلاق وتنفصل عنه متخلية عن ولديها وتعود لموطنها...
وحكت كيف صارت تقضي نهارها بالمهدئات وليلها بحبوب منومة، وهي تتكلم كانت محتاطة أن لا تصل كلماتها إلى أخوها الجالس بالقرب منهما .
وبنفس الحرص تبادلتا أرقام هواتفهما، وقبل أن تغادر فتحت حقيبة يدها وناولت "أم الخير" قرورة عطرها لكن هذه الأخيرة رفضت قبولها، فأصرت عليها فقبلتها حياءا، وتواعدتا أن تتواصلا هاتفيا وافترقتا وبرأس "أم الخير" عشرات الأسئلة.
إتصلت بها تلك السيدة بعد يومين من ذلك اللقاء، وتكلمت بنفس الهمس والترقب، وبعد مكالمة طويلة ترجتها أن تظل على تواصل معها، بعد حوالي أسبوعين اتصلت ثانية وكلمتها مسرعة وأخبرتها أنها بمستشفى للأمراض النفسية وتطالبها بزيارتها، وأخبرتها أنها هربت هاتف لتتمكن من مواصلتها، وأنهم لو اكتشفوا أمرها سيتم حرمانها منه ولن تتمكن من مكالمتها تانية .
تألمت "أم الخير" جدا لوضعها وحرصت بالغد على زيارتها، سألت عن المستشفى ودخلت تسأل عن قسم المرضى ودلوها عليه، وكانت متخوفة أن لا تتمكن من الوصول إليها لأنها لا تعرف إلا الإسم الأول .
وسألت عن قسم النساء، و عبر ممر طويل إنتهى بها الى حاجز حديدي كبير به قضبان تمكنك من رؤية تتمة الممر الطويل والغرف على جوانبه تضج بالمرضى .
عند الحاجز سألت ممرضة هناك عن "سلوى"، وكانت تتوقع أن تسألها الممرضة معلومات أو بيانات أخرى عنها، لكنها سرعان مانادتها وجاءت من إحدى الغرف ففتحت الممرضة الباب الفاصل بينهما .
شكرت "سلوى" إهتمامها وسعدت جدا، سألتها "أم الخير" إن كانت تحتاج شيئا لتأتيها به، طلبت منها بعض الأكل ولبان بنكهة النعناع وبنكهة الفاكهة .
خرجت "أم الخير" واشترت لها ماطلبت وماأن أعطتها إياه حتى قامت بتوزيع اللبان على الأخريات، وكلهن ينادونها بالإسم مما يبين أنه ليس أول دخولها هناك، تتصرف كانها صاحبة المكان وهن ضيوف عندها .
ودعتها "أم الخير" على أن تعود لزيارتها يوما، وخرجت ورأسها مرة أخرى تتقاذفه الأسئلة من كل جهة .
■وكانت الحالة التانية التي حكت عنها طالبة بكلية الطب، وكانت انسانة عبقرية بآخر سنة لها بكلية الطب لكنها ماعادت تريد تكمل، يعني كل كفاح الست سنوات سيضيع منها لما هي فيه من توثر واكتئاب .
وكانت عند لقائها "بأم الخير" قد كان لها قبلا علاجات مع أربع أخصائين نفسيين، و من تاني لقاء بدأت تحكي لها كل شيء كان بداخلها الكثير الكثير، وكانت نفسيتها منهارة تماما وكانت محطمة، فاكتشفت "أم الخير" أنها تحمل عبئا ثقيلا على نفسيتها .
لهذا قررت ماتدخل الإمتحان النهائي لأن في داخلها حمل أكبر وهم أثقل لدرجة لم تعد تهتم ولا تكترث لتعب الست السنوات وهي على وشك تتويجه .
كل ماعملته "أم الخير" هو الإستماع لها بطول بال واهتمام، ورفعت من معنوياتها بإحترام لشخصيتها وابداء الإعجاب بها، وساندتها ببعض الكلمات الصادقة
فانتعشت وبدأت نفسيتها تتحسن، وسألتها إن كانت تريد أن تأخدها لتتجول بأي مكان تريد، فأخبرتها أنها تريد ان تكون بمكان مفتوح على مد البصر .
طبعا أخذتها "ام الخير" وتقول ماتعرف تصف كم كانت فرحتها، جرت وغنت وضحكت ولما شغلوا رشاشات الماء، دخلت الى الحشيش وتبللت وقفزت مثل الأطفال وشربت منها، وقالت أنه الذ ماء شربته بحياتها!
شغلت الحياة "أم الخير" أياما، فلما راحت لزيارتها أخبرتها أمها أنها تتحسن لما تلتقيها وعند غياب "أم الخير" تنتكس .
والإنتكاسة بعلم النفس هي لما المريض يتوقف فجأة عن أخذ الدواء وحالته تسوء أكثر عن ماكانت عليه، فقد صارت "أم الخير" بالنسبة لها كحبة الدواء .
■وتقول "أم الخير" من المشاهد التي أثرت عليها كثيرا مشهد مر أمامها بمدينة كنجو بالصين، بينما هي بحديقة المجمع السكني الذي كانت تقطنه، فإذا بعجوز صينية متوجهة إلى واحد من التماثيل المتواجدة هناك ووقفت أمامه وأخذت تكلمه بكل إنسجام، وطال الإنتظار واستمر وقوفها فترة طويلة، وكانت حريصة وهي تكلمه أن تلمس يده وتمسح على خده بين الفينة والأخرى وكأنه حقا كائن حي يسمعها! .
خاتمة
تقول "أم الخير" أن الحملات الخيرية والتنموية غير كافية، لأن الناس بحياتهم محتاجين أيضا حملات لإخراجهم من أزماتهم النفسية وأضافت قائلة:
كل هذا لن يحطمه نفسيا، ولكن مايقتله أن يحس نفسه وحيدا، فيحس بقوته تنهار ساعة بعد ساعة، ولا يد تدعمه ولا شاطئ آمن يلجئ له، ولا أذان تسمع صراخه واستغاثاته .
هذا مايجعل الإنسان يستسلم ويغرق في دوامة اليأس والضياع، لو كل واحد منا تفحص حوله بقلبه ووجد ناس يعرفهم يعانوا، واشرعتهم بدأت تتمزق ممكن بكل بساطة أن يكون هو اليد المنقذة والشاطئ الآمن، كان كلامها رائعا ومعبرا حقا .
نحن هنا لسنا لسرد الحالات التي تحتاج لتدخل دوائي بسبب حدوث خلل في كيمياء الدماغ ، ولا عن الضغوط وأسباب الأمراض النفسية ، لكن كلامنا عن الحالات البسيطة التي ممكن علاجها بالدعم النفسي قبل أن تتدهور الى الأسوء .
فنحن هنا لقول كلام سهل وبسيط عن النفس البشرية المعقدة ، وكيف ممكن الإنسان من الأساس تجنب الوقوع بالأمراض النفسية التي يسببها المحيط ، ونحن هنا لننزل بالقواعد العلمية الى لغة الإنسان العادي وتبسيطها .
فالانسان في الواقع الذي يعيشه أصبح مثل زورق صغير تتقاذفه الأمواج في بحر هائج ، وكل يوم تمر سحابة قاتمة تزيد حياته ظلمة .