الهوية الأمازيغية هي موضوعها اليوم ، السلام عليك زائرنا الكريم مدونتك مجالس الإخوة Majalis-Al-ikhwة يزيد جمالها بمتابعتك لها ، وبعد أن كنت معها بالجزء الأول لموضوع "الهوية الأمازيغية" سيكون مجلسنا اليوم لمتابعة الموضوع بالجزء التاني ، فمرحبا بك.
الهوية الأمازيغية-2- |
الأمازيغ بشمال أفريقيا
فكان ماطرحناه بمقالنا السابق فيما يخص تاريخ الأمازيغ كشعوب لشمال أفريقيا من قبل التاريخ، وما شهدت لهم به الأحفورات والأثار برسومات الكهوف "بطاسيلين عجير" وهي جبال بجنوب شرق الجزائر وبجبال "تدرارت" بليبيا، وما شهدت لهم به بعدها الخطاطات المصرية القديمة مع بداية ظهور الكتابة أي قبل 3000 ق.م .
ومررنا على ذكرهم بالإسم في صراعهم الهوياتي الأمازيغي عبر مسميات أطلقت عليهم في ظل الإمبراطوريات التي توالت فوق أراضيهم، و أيضا بالمصادر التاريخية الموثوقة، مع المؤرخ "هيرودتس" وبعده المؤرخ الكبير "إبن خلدون" .
الأمازيغ ورفض للقب البربر
لنصل إلى حيث تسميتهم "بالبربر"، فنجد من الأمازيغ من يفسر تسمية العرب لهم "بالبربر" كان مصدره ماوجدوه أمامهم عندما جاؤوا شمال أفريقيا وخرجوا من الجزيرة العربية وبدأوا بالتوسع حاملين راية الإسلام.
وجدوا العرب وقتها الأمازيغ ومعهم البيزنطيين الذين كانوا من مستعملي كلمة "البربر"، فاخذوها عنهم وأعطوها دلالاتهم اللغوية الجديدة المناسبة للغتهم العربية، والمختلفة جذريا وتماما عن معناها اللاثيني الأول.
لنجد العرب في تفسيرهم للكلمة ربطوها بأعجمية لغة الأمازيغ، فقالوا "البربر" من "البربرة"، وهو صوت الإبل، وقيل صوت الأسد، وقيل صوت المعز، المهم بالملح هي لغة الحيوانات العجماوات الغير مفهوم منطوقها.
بل إنهم قالوا أن أصل التسمية كانت لها علاقة بملك يمني قديم جاء شمال إفريقيا فسمع كلامهم وقال:(ماأكثر بربرتهم)، فسموا "بربر"، وقيل الملك هو "أفريقش" بن قيس بن صيفي، أحد ملوك التبابعة الذين حكموا اليمن، يقال أنه هو أول من أطلق على سكان شمال أفريقيا إسم "البربر".
وحسب رواية "ابن خلدون" غزى أفريقش شمال أفريقيا زمن عهد موسى، أو قبله بقليل وحين سمع كلام البربر قال "ما هذه البربرة" فأخذ عنه هذا الإسم، ليستند الكثير على هذا التوثيق لأنه من مؤرخ سوسيولوجي كبير.
مما إعتبره بعض الأمازيغ "إختراع أسطوري"، واعتبروا أن كل ذلك سببه جهل المؤرخين العرب للمعنى الأصلي للكلمة اللاتينية "برباروس" مما جعلهم يخلقون مبررات لإسم "بربر" الذي هو من أصل يوناني لاثيني، أطلقه اليونان والرومان على كل الشعوب الأخرى الغير يونانية والغير رومانية، فنجدهم يطلقونه حتى على "الجرمان" بالشمال الأوربي و"الفايكنج" كما سبق الذكر، والبعض الآخر من الأمازيغ يعتبره مجرد لقب، حتى ولو فرضا صح أن "أفريقش" هذا سماهم "بربرا" فلا مشكلة، الأهم أنهم هم إسمهم "أمازيغ" .
العرب ورفض لإسم أمازيغ
فالأمازيغ اذا يستاؤون من أي تسمية غير التي إختاروها لأنفسهم، لأنه أولا، ليس من حق أحد تسميتهم، ولن يقبل أحد أن يسمى بما لم يسمي به نفسه، وثانيا، لأن إسم "البربر" بكلتا حالاته هو نعث قدحي.
سواء أصله اليوناني الذي يعني الهمج المتوحشون والغير المتمدنين والأجانب، أوالمعنى العربي الذي يوحي لنقص بلغتهم، وكأن العربية هي وحدها اللغة الفصيحة.
بينما علم اللسانيات اليوم أتبث أن كل اللغات لها فصاحتها وجماليتها وإيقاعها الخاص، ولايمكن القول أن هذه اللغة أجمل من غيرها، لأن مثل هذا القول أصبح يسند إلى الجهلة ولم يعد كلام للعقلاء، فكل شعوب الأرض لها لغات، وكل لغة هي جميلة بعين أهلها، وماعليهم إلا أن يتعهدوها ويطوروها .
وقد اعتبر المتمسكين بإسم "البربر" تسمية "الأمازيغ" دخيلة وهي وليدة مطامع الإستعمار الفرنكوفوني للمنطقة الساعي لفصل "البربر" عن "الأمازيغ"وجعلهم كيان منفصل عنهم، لدرجة تشجيع رفض تسميتهم "بالبربر" المعروفين به قبلا.
لكن هذا موقف حقا مخجل منهم، لأن "الأمازيغ" برفضهم لتسمية "البربر"، لم ينكروا تواجدها بكتب التاريخ وأنهم لقبوا بها من الغير، وإنما رفضوها كونها لم تكن من تسميتهم لأنفسهم، ولم تكن تطلق عليهم وحدهم، بل كانت لقبا أيضا لأقوام غيرهم والكتب التاريخية تذكر ذلك، وهم عندهم إسمهم الخاص بهم والبحوث التاريخية أيضا تؤكده.
فعن إسم "الأمازيغ" يذكر ستيفان جازيل عالم الآثار الفرنسي المتخصص بتاريخ أفريقيا الرومانية وخاصة الجزائر القديمة، أن المؤرخ اليوناني "هيرودوت"رصد في القرن الخامس (ق.م)، -سواء من روايات تلقاها مباشرة أو من قراءات لمؤلفين سابقين-، قبائل بشمال أفريقيا، وذكرهم بإسمهم "ماكسيس" على عكس كلمة “بربر”، التي اعتبرها "جازيل" دخيلة وغريبة وغير معبرة عن الأصول الإتنية الحقيقية لسكان شمال أفريقيا.
فأوضح أن كلمة "أمازيغ"مؤنثها "تمازيغت" وجمعها "إمازيغن" ومتداولة في عدد من مناطق شمال أفريقيا باعتبارها تدل على سكانها وتعين جنسهم.
وذكر من بين هؤلاء سكان الريف والأطلس المتوسط بالمغرب، وسكان السند بجنوب تونس، وسكان جبل نفوسة بمنطقة طرابلس، وصحراء غدامس بليبيا، وكذا طوارق الأيير شمال النيجر.
وقد أكد جازيل استعمال هذا اللفظ في الزمن القديم في كتابات "ليبيكية" وكل ما أورد جازيل كان موثقا، لكن الكثيرون من المتعصبين للشرق يتعامون عن الحقائق كي لا تتشوه الصورة المزيفة التي رسموها لعروبة الأمازيغ !.
ربط الأمازيغ بالمشرق
فنجد هذه الرغبة الجامحة لربط الأمازيغ بالعرب كانت واضحة عند "عبد العزيز الثعالبي" بتونس، و"ابن باديس"ومدرسته بالجزائر، و"علال الفاسي" بالمغرب، وهؤلاء ومن سار على خطاهم ساهموا من حيث لايعلمون في جعل بلدان شمال أفريقيا أكثر عروبة من عرب "نجد" و"حمير".
فلو عرفوهم بالأمازيغ الناطقين بالعربية كان سيكون تعريفا سليما مقبولا بعيدا عن الخلط المقصود بالغير، مما يجعل المعادين للفكرة مصرين أن الأنثربولوجيا أثبتت أن أبناء "مازيغ" لا ينتسبون إلى العروبة، بل ربما النظرية عكسية ! مادام أن أقدم هيكل عظمي للإنسان وجد في شمال أفريقيا.
ولا يمكننا إعتبار هذه المطالب الأمازيغية دعوة عنصرية بقدر ما هي رغبة في استرجاع الكرامة التي يحس الأمازيغي أن الغير مصر أن ينتزعها منه، مع أنه هو أصيل وحر إبن الأحرار والتاريخ شاهد له بذلك.
فالأمازيغ مصرين على علاج الوهن الذي أصاب هويتهم بعد التراكمات التاريخية التي تناولت تاريخهم من منظور إستحواذي مغلوط، وهو ما يتطلب إعادة القراءة لتاريخهم بمنظور موضوعي، خاصة وأنهم دعاة هوية لا دعاة عنصرية.
الأمازيغ هو إسم الأمازيغي
كانوا إذا في تحد لإمبراطوريات قوية ابتلعت نصف أراضيهم، فلقبوا بـ"البربر" كما عرفنا وأحيانا "الموريتانيين". وفي كتب أخرى لمؤرخين قدامى، يظهرون بأسماء مثل "الليبيين" أو "الأفارقة"، لقد ألبسوهم ألقابا عديدة.
بعضها يحمل نعوتا جغرافية لشعب وقع على الدوام على هامش الإمبراطوريات الكبرى، وتسميات أخرى تحمل دلالات قدحية مهينة.
ليأتي فريق مصر على إسم "البربر" كون إبن خلدون سماهم به، وهذا صحيح ومؤرخ له، لكنه لقبوا به من طرف الغير وحتى لو كان معناه مدحيا لا قدحيا، فهم ليسوا ملزمين بقبوله كما لايعيبهم رفضه، لأنهم يعتبرون أنفسهم عندهم إسمهم الذي هو "الأمازيغ" الأحرار، الذين لا يقبلون المذلة ولا التخلي عن هويتهم ولبس هوية غيرهم حتى ولو كان أعلى منهم شأنا.
وكلمة أمازيغ معناها بالأمازيغية الحر، والحر ليس بالمعنى الطليق كما يحب أن يفسرها الكثيرون، وإنما بمعنى الغير المزيف كما نقول "العسل الحر"، عكس البربر التي لغويا لا معنى لها بالأمازيغية.
وإلى يومنا هذا، كثيرا ما قد يحكي لك أحدهم مثلا عن موقف نبيل صدر من أمازيغي تجاهه، ويكون جوابك له "هات أمازيغ أيناغ"، وكأنك أجبته"طبعا إنه الأصيل" أي أن الأصيل باللغة العربية والأمازيغي باللغة الأمازيغية سواء، فهو يعرف بالتصرف الذي لن يشينه البتة. فهم إذا سموا أنفسهم الأمازيغ ومعنى الإسم "الأحرار" أو "إيمازيغن" أي الأصيلين.
وكلامنا هذا لا يعني أنهم لايعيب تصرفاتهم شيء طبعا لا، أو أن هذا يعني أنهم وحدهم المعروفون بنبل الأخلاق، ووحدهم الذين لا يقبلون أن يعابوا بكرامتهم، مؤكد لا، ليس هذا هو المقصود وإنما الظاهر من شهرتهم به أن للأخلاق الكريمة والتصرفات النبيلة عندهم شأن.
كما يدل إسم العربي على فصاحة اللسان والذي تعني إهتمامه باللغة، كما لا يعني أنهم وحدهم الفصحاء، وإنما إسمهم دل على فصاحتهم وأهمية الفصاحة لديهم مما لا يمنع أن عندهم غير الفصحاء.
وبعد أن تتبعنا الأسماء التي ذكروا بها بكتب التاريخ ووضحنا الإشكال الواقع في إصرار العرب بمناداتهم بالبربر والبرابرة، وأصل هذه التسمية كما جاءت مع إبن خلدون وإختيار الأمازيغ لإسم "إيمازغن" التي تعتبر إختيارهم ولها ذكر بتاريخهم كما أن لها معنى وصلة بلغتهم، عكس إسم "بربر" التي لقبوا وعرفوا به، والتي يصر المعربون مناداتهم به تربطهم به، نصل إلى حيث بدأت موجة التعريب تطال شمال أفريقيا.
العروبة والتعريب
ويقول الباحث في الشأن الأمازيغي أحمد عصيد: أنه قبل 1930 لن تجد بأي وثيقة تاريخية كلمة عروبة أو مغرب عربي أو أن شمال إفريقيا عربيا، ودرس التاريخ المشهور بالمدارس المغربية( سكان المغرب الأولون هم البرابر أبناء مازيغ جاؤوا من اليمن والشام عن طريق الحبشة ومصر...) كان أصله الحركة الوطنية المغربية. كل ذلك نتاجات لإبداعات الحركات الوطنية في بلدان شمال إفريقيا منذ ظهورها. والتي انطلقت من مرجعيتين أجنبيتين:
الأولى نموذج الدولة الفرنسية القائمة على التأحيد وفرض العنصر الواحد في الدين واللغة والثقافة.
والثانية التي هي القومية العربية والتي ظنوا ستحقق لهم النموذج الموحد. فقد كانت زيارة للأمير شكيب أرسلان للمغرب سنة 1930 تذكرها المراجع التاريخية بتطاون واستقبل من طرف قيادات الحركة الوطنية المغربية وكان سبب قدومه هو أن الحركة المغربية في نضالها القومي العربي بشمال أفريقيا لها صلة بالشرق الأوسط باعتباره جزء من الأمة والوطن العربي والأمة تناضل من أجل الإستقلال فتبنوا الوطنيين هذا الخطاب وبالطبع لم يعد هناك مكان للأمازيغية، لكن صعب إقبارها ولو تبنوا مبدأ الوحدة في التنوع كان سيكون أقوى وأمتن.
وبالتالي هذه البرامج التعليمية الإختزالية والتي تهربت من إبراز دور الأمازيغ في التاريخ وعمق هويتهم ولغتهم، كان أصلها الخطاب الإختزالي الذي إعتمدته الدولة بعد الإستقلال .
خاتمة
لنصل زائرنا الى التساؤل الذي قد يراود من يسمع عن الأمازيغ وصراعهم الهوياتي بشمال أفريقيا ، والذي هو : ترى ماهو الوضع الناتج عن كل هذه التجاذبات؟ فقد تداخلت مياه المنابع بمياه السيول ، وكثرت المكونات مما أعطى"حريرة" على قول المغاربة ، هذا ما سنكمله معك زائرنا بالمقال الثالث والخاتم للموضوع بعون الله فتابعنا لأن متابعتك تسعدنا حقا .
وهذا فيديو من اليوتيوب من قناة "فرانس24" كإغناء لموضوع الأمازيغ وصراعهم الهوياتي .