القصة الأمازيغية السابعة، السلام عليك زائرنا الكريم مدونتك مجالس الإخوة Majalis-Al-ikhwa يزيد بهاءها بمتابعتك لها، وبعد أن كنت معها بالقصة السادسة سيكون مجلسنا اليوم مع القصة الأمازيغية السابعة"عوج تيفيكشت " المصاغة ترجمتها باللغة العربية، فمرحبا بك.
القصص الأمازيغي لجدي
وعادت بي ذاكرتي لقصة "عوج ن تيفيكشت" ، والذي ترجمته "عوج تيفيكشت" ، وحرف النون الجامع للكلمتين بالأمازيغي هنا ، هو للإنتساب .
أي أننا نسبنا إسم "عوج" لإسم "تيفيكشت" . وكأن الإسم الأول هو "علي" وأمه إسمها "زهرة" ، فسميت القصة "علي زهرة" .
وأول سماعي لهذا الإسم ، كان بجلستنا بحديقة الحي أنا وجدي ، فقد أخبرته يومها أن قصة الأكاذيب المنعقدة (تيحلال إيموركسنين) ، أثارت فضولي أنا وأصدقائي بعد أن سمعوها مني .
واتفقنا أنا وأصدقائي الستة أن يتخيل لها كل واحد منا المزيد من العقد الكاذبة لنزيدها طولا ، ضحك جدي وقال : (سأنتظر اذا أكذوباتكم ياأبناء القرن الواحد والعشرون) .
شخصيتها طفل إسمه "عوج"، بكسر العين وسكون الجيم ، وأصل التسمية من الإعوجاج ، وهي قصة تداولها الأجداد الأمازيغ .
وقال أنه سبق أن قصها على أبي في صغره ، ولما بلغ أبي سن الربعة عشر ، فاجئ جدي يوما بإخباره أن قصة الأجداد ربما لها علاقة بشخصية مذكورة بكتب التاريخ ، والتي كان إسمها"عوج بن عنق" .
أثار جدي فضولي ، وقررت أن أبحث عن هذا إبن عنق ، وماعلاقته بعوج الأمازيغي ، فكل ماقصه جدي قبلا ، بحثت و لم أجد له بقصص الأنترنت مصدرا .
فقد كنت مصرا أن القصص المتداولة ، هي نفسها عند كل الشعوب ، وهذه الأخيرة تتداولها بمسميات مختلفة ، عكس جدي الذي يقول ، أن لكل شعب إرثه القصصي الخاص به ، المساير لوسطه وتقاليده ، ومعتقداته وأخلاقه ، وثقافته .
ونحن هناك بجلستنا المعتادة ، سألته يومها ، ترى ما موضوع القصة المقبلة ؟ فأجاب أنها كلها خيال كسابقتها .
القصة الأمازيغية : "عوج تيفيكشت"
وليلا ونحن مجتمعين ، ماكانت مزحتنا إلا إسم عوج هذا ، وقال جدي أنها كانت بأحد الأزمان الغابرة إمراة تلقب تيفيكشت ؛ لشدة قصر قامتها ، واللقب أمازيغي ومعناه بالعربية العثرة ، أي أنك ممكن أن تتعثر بها وأنت سائر .
وكان أهل بلدتها يظنونها لن تتزوج أبدا ، ولن يقبل بها أحد ، لكن المفاجئة كانت أن تزوجها أحد الغرباء ، جاء يشتغل بالفلاحة بحقول أهل البلدة ، وبعد شهر من زواجها ، تداول الكل أن تيفيكشت حامل .
وصرت ماترى من تيفيكشت إلا بطنها الكبيرة ! والكل مشفق من حالها ، وخصوصا أنها أتمت التسعة أشهر ولم تلد بعد ، وزادت شهرين والكل مترقب ، وأخيرا جاءها المخاض ، وعلم الكل بذلك من صياحها المدوي بأنحاء البلدة ، وتعاونت نسوة البلدة كلهن معها لمساعدتها للخلاص ، والكل متاكد أنها هالكة لا محال .
"عوج تيفيكشت" والإسم المميز
لكنها نجت ، وخلفت طفلا جميلا وسيما ، لكنه غريب المقاس بالمقارنة مع المواليد الجدد ، وفسر الكل ذلك من الشهرين التي تأخرتهم عن التسع أشهر المعتادة .
فرحت تيفيكشت وفرح زوجها ، وسموا إبنهم "إثري" ومعناها بالأمازيغية "نجم" ، وكان إسما جميلا مميزا ، وكانوا أول من تسمى به ، ولكن لم يعد أحد يذكره من كثرة ماصار الكل يناديه بعدها "بعوج".
نعم صار عوج يكبر بين ليلة وأخرى ، وينمو نموا غريبا ، مما جعل والديه يخفونه عن أهل القرية ، كي لايكون محط أنظار الجميع ، فكانت تيفيكشت إذا خرجت للحقل بقي الزوج لحراسته ، وإن خرج هو بقيت تيفيكشت للحراسة .
وبعد ثلاثة أشهر من مولده صار يصطحبهم للحقل ، لأنه لم يعد يقبل أن يمنعوه من الخروج ، وقد صار يمشي وكأنه أتم السنة ، وإستغرب الناس ذلك ، فإعترفت تيفيكشت وزوجها بأنهم أيضا إستغربوه .
ولقب من يومها "بعوج"، من شكله المعوج ، فقد كان نحيفا وساقيه طويلتين ، ويمشي منحني الكتفين ، وصار الكل يمازحه ويلاعبه فضولا ، فكلماته التي صار ينطقها واضحة ، ويناقشهم أمورهم ويمازحهم ، فاشتهر بكل البيوت ، يدخلها ويخرجها متى شاء .
"عوج تيفيكشت" وقصته غريبة
لكن المصيبة أن نموه بتضاعف بشكل مرعب ، حتى صار يشكل خطرا على مؤونة مطابخهم ، فقد لوحظ عليه شره مخيف بالأكل ، وصار يأكل هنا وهناك ، وإحتار بأمره والديه وإحتار معهم الجميع .
وصارت أبواب المنازل تغلق ، بعد أن كانت مفتوحة على مصراعيها ، بل الأدهى أن المحصول بالحقول لم يسلم من شراهة عوج .
وصار بمتم السنة كالوحش الكاسر ، فقرر أهل البلدة الخلاص منه ، بإقناع والديه أنه ولد غير عادي ، وتابعوا تبريراتهم إلى أن أقنعوهم أنه ولد غير صالح .
إقتنع الأب بعد أن خيروه بالموافقة ، أو الرحيل عنهم بعيدا ، فكانت الخطة المتفق عليها هي إرسال عوج في مهمة مهلكة له .
فاجتمعوا بعد صلاة العشاء بساحة البلدة ، وأخبروه أنهم على مشارف فصل الشتاء وهم بحاجة للحطب ، وهو إبنهم القوي فليأتيهم به من واد على بعد أميال من بلدتهم .
وكان مقصودهم أن تأكله السباع هناك ، لأن ذلك الوادي كان معروفا بها ، فجهزوه فجرا بسبعة من الحمير ، وإنطلق وأمه تبكي وتولول همسا ، وزوجها يصبرها ويمنعها من إخبار عوج بما ينتظره ، وهو يذكرها بكل مايعانونه مع عوج من مصاعب .
أخبرها أن طول قامته صار أمرا مرعبا ، فهاهو من شهر صار ينام ليلته خارجا البيت ، لصعوبة تمدده بغرف البيت وسطح بيتهم لايكفيه لا ممددا ولا ملتويا ، فماذا سيكون حاله والشتاء على الأبواب ؟ لدرجة أجزم أنه ليس طبيعيا وأمره يدعو للخوف .
"عوج تيفيكشت" المنحوس
وبينما هما على تلك الحالة ، إذا بعوج ينادي أهل البلدة بمدخل القرية بأعلى صوته ، يحذرهم من الوادي وأن يقتربوا منه يوما ! وأخبرهم أن السباع هاجمته وأكلت الحمير السبعة ، وهرب منها هو بأعجوبة .
إنتكس والده ومرض ليومين وتوفي بمرضه ذاك ، وحزنت الأم على زوجها واسودت الدنيا بعينيها ، والكل بالقرية يخاصم عوج ويلومه ، كونه السبب بوفاة والده واكتئاب والدته .
تأزمت نفسيته وإمتنع عن الأكل لأيام ، لم يهتم أحد لحاله ، وفرحوا أنه لم يعد يزور مطابخهم ، وبينما هو واقفا متكأ على سور القرية عصرا ، أغمي عليه وسقط بطوله وسط البلدة .
وكانت "تيفيكشت"حينها بالحقل ، أخبروها النسوة هناك ، وجاءت التعيسة تتجارى ، وصلت مشارف القرية ، بإذا برجليه ممددتين هناك ، ومجموعة من أهل القرية واقفين يستغربون قدميه ومنظر أصابعه .
شتمتهم جميعهم وهي تبكي إبنها ، إعتذروا منها ؛ وأخبروها أن تستمر بالجري جهة اليمين ، لأن رأس عوج جهة مسجد القرية ، فأخذت تنذبه بأعلى صوتها متابعة جريها بإتجاه وجهه .
ولقزمية قامتها وعملاقية قامة إبنها ، كانت المسافة من قدمي عوج إلى حيث مكان رأسه ، قد تطلب منها جهدا أنهك قوتها تماما .
وما أن بلغت عند وجهه ، وحاولت مناداته ، حتى فتح عينيه وأشفق عليها ، وحياء منها حاول الجلوس لكنه للأسف تركها هناك عند المسجد ، وصار هو قاعدا بوسط البلدة .
ندبت حظها والنسوة هناك يصبرنها ، فدفعت الكل وعادت أدراجها لوسط البلدة ، حيث إبنها عوج قاعد
ماسك بكلتا يديه الأرض بصعوبة وجهد ، وينتظر وصولها وأنفاسه تكاد تنحبس .
وما أن وصلت ونادته مجددا حتى خارت قواه ، وعاد الى السقوط بإتجاه الحقول . صاحت تيفيكشت :(يالحظي العاثر ! ياليتني كنت عاقرا ، بل ياليتني لم أكن يوما !!)
وإنطلقت بإتجاه الحقول ، والنسوة وراءها مشفقات من حالها ، وماأن وصلت عند وجهه حتى أغمي عليها ، ولم تفق بعدها أبدا .
وزادت أزمة عوج ، وصارت القرية في حيرة من أمرها بهذه الجثة الملقاة بين الحياة والموت ، وبعد أسبوع من وفاة الأم تيفيكشت توفى الإبن عوج .
وتم غسله بالتعاون بين رجال القرية ، ورجال القرى المجاورة الذين سمعوا بإحتضاره ، فتسارعوا لتشييع جنازته .
وقد طال إحتضاره ليوم كامل إلى أن إجتمعت جموع غفيرة ، كان لها الفضل في المساعدة في حفر قبره الهائل ، وقد صار قبره هضبة بارزة مطلة على كل قبور القرية .
خاتمة
وكم كانت ليلة عوج ن تيفيكشت ممتعة ، رحمة الله عليك ياجدي ، ظلت هي مزحتنا طيلة ذلك الأسبوع بأكمله .
وفعلا وجدت ببحثي بالأنترنت ، إسم "عوج بن عنق" مذكور بالأساطير القديمة ، فقالو عنه كان يشرب من السحاب ، وقالوا يشوى الحيتان بالشمس ، والطوفان بلغ ركبتيه بعهد سيدنا نوح ، وقالوا قفز سيدنا موسى بعهده 30 ذراعا ليبلغ كعبه ، فترى مالعلاقة بين إبن عنق وإبن تيفيكشت ؟
كتبت برمضان الكورونا
1441/2020
Written in Ramadan Corona