القصة الأمازيغية التاسعة، السلام عليك زائرنا الكريم مدونتك مجالس الإخوة Majalis-Al-ikhwa يزيد بهاءها بمتابعتك لها، وبعد أن كنت معها بالقصة الثامنة سيكون مجلسنا اليوم مع القصة الأمازيغية(9) "حمو اليتيم والسير إلى الله" المصاغة ترجمتها باللغة العربية، فمرحبا بك.
القصص الأمازيغي |
القصص الأمازيغي : قيصات ومجريات
وتابع راوي القصص الأمازيغي سرده القصصي قائلا : بعد قصة سيدنا سليمان والبومة ، تذكرت أنني سألت جدي وقتها عن مدى صحة أحداث القصة ؟
فضحك مني وقال : (أن القصص لا نتتبعها بالفحص والتمحيص ، فهي تحكى وتتوارثها الأجيال للتسلية ، وقد تكون فيها إستفادة ، لما قد تتضمنه من حكم متداخلة مع الخيال بجمالية وانسجام ).
وأخبرني جدي ، أن هناك فرق عند الأمازيغ بين "لقيصات" ، (والتي مفردها لقيصت :بكسر القاف وتسكين باقي الحروف ) و"المجريات" ، (والتي مفردها لمجريت) ، فهذه الأخيرة جرت بالواقع ؛ وهناك من عايشها ، على عكس "لقيصت" التي هي مجرد نسج من الخيال ، وقال أن كل ماسمعته منه إلى الآن ، هو من باب "القيصات" ؛ ولا علاقة له "بالمجريات".
القصة الأمازيغية : "حمو اليتيم"
وصل اليوم الموعود ، وكان جدي قد أخبرنا أن قصتنا الأمازيغية لهذه الليلة ستكون هي "حمو أكوجيل أمازان سربي" ، وترجمتها "حمو اليتيم مرسال إلى الله" .
فعن جده قال جدي ، أنه بأحد الأزمان كانت هناك بلدة حزينة ؛ سكانها متدمرون من حياتهم ، ونادرا ماترى البسمة على وجوههم ؛ بل الحق يقال ، أنك لن تراها إلا بوجه راعي أغنامهم "حمو اليتيم"
فالكل مكتئب ، والكل يشتكي ، ولتزداد الطين بلة ، أصابهم الجفاف ، فزاد اكتئابهم ، وعم الحزن أنحاء البلاد جميعها .
فأشار عليهم أجدادهم ، الخروج لليلة إعتكافية ، يدعون فيها الله بصوت واحد ، ويسألونه أن يرحمهم . ويرشدهم سبيل النجاة مما هم فيه .
وذاك ماكان ؛ فقد خرجوا جميعهم بإحدى الليالي إلى أطراف البلدة ، وعلت الأصوات متضرعة بخشوع ، وهم ساجدون لله ، يعددون ماحل بهم . فقد جفت أبقارهم ، وذبلت خرفانهم ، وتوفي الكثير من صبيانهم ، ويبست أشجارهم ..
باتوا ليلتهم هناك جميعهم ، مبتهلين ، متخشعين ، راجين من الله فرجا لهمومهم ، ورحمة وبركات تتنزل بديارهم .
"حمو اليتيم" والرؤيا الطيبة
بدأت خيوط الفجر تطل عليهم بالأفق ، وهم هناك بالبرية بعيدا عن مساكنهم ساجدين ، وقد بلغ الحزن منهم مبلغه ، فجأة صاح بهم أحد المسنين ، أنه غفت عينه ورأى رؤيا .
فقد سمع مناديا يناديه بالإسم ، ويخبره أن الله طيب ولا يقبل إلا طيبا ، فليختاروا أكثرهم طيبة ، ولينطلق في الحال ليلتقي الله ، ويسأله لما لم تمطر سماءهم ، ولما جفت منابعهم ، ويرشدهم ليفهموا ماهو ذنبهم؟
صمتوا للحظة ، وهم يتبادلون النظرات في حيرة من أمرهم ، فجأة صاح بهم صاحب الرؤيا : (صدقوني ، إن الصوت الذي سمعته بمنامي مايزال صداه بأذني ، فكروا جيدا قبل أن تقرروا من هو أطيبنا ، فالله طيب ولا يقبل إلا طيبا) .
قالت النسوة : (الأكثر طيبة هو راعي بلدتنا ، "حمو اليتيم" ، نعم إنه هو بلا منازع ، لم يسمع منه ولا عنه مايشينه يوما ، فهو مايزال على الفطرة ، وأغلب وقته مع الأغنام بالجبل ، ولا يعود أدراجه إلا عند مغيب الشمس) .
وقاطعتهم خالته بحنان : (وكثيرا ما ينام بلا عشاء من كثرة التعب ، ليستيقظ فجرا ، ويحمل مؤونة يومه ، لينطلق بأغنام البلدة من جديد ، وهو يتغنى ببراءة وسعادة) وكانت خالته تلك هي من تولت أمره بعد وفاة والديه وهو بسن مبكرة .
وبعد مشاورات ، أجمعوا كلهم أن الراعي "حمو اليتيم" أكثرهم طيبة ، فهذا لقاء الله العليم بأحوالهم ، والأمر لايقبل المداهنات ، ومجاملة بعضهم البعض بالأكاذيب ، فسألوا عنه ، قالت أنه لم يخرج معها ، لأنه كان نائما حين خروجها للإبتهال الليلي رفقة النسوة .
أسرعوا جميعهم بإتجاه البلدة ، فإذا "بحمو اليتيم" يجهز غنم القبيلة لينطلق بها نحو الجبل ، نادوه بصوت واحد ، تفاجئ كون القبيلة كلها برجالها ، ونساءها ، وأطفالها كانت خارجا .
سبقتهم خالته إليه ، وبدأت بشرح الموضوع باكية ، أكمل كبيرهم شرح المهمة "لحمو اليتيم" ، الذي إبتسم قائلا أنه مستعد ، لكن أين سيجد الله ؟ فأشار عليه صاحب الرؤيا أن ينطلق جهة الشرق ؛ بنية لقاء الله . ومؤكد الله هو من سيلتقيه .
"حمو اليتيم" والسير إلى الله
وافقهم بطيب خاطر ، وبعد أن حملوه مؤونة تكفيه لأيام ، أخبروه أن كل ما عليه ، هو السير شرقا والمبيت بالعراء خمس ليال ، وأن لايعود قبلها ؛ إلا لو إلتقاه الله .
إنطلق وهو لايدري إلى أين ؛ إلا أنه سعيد ، واعتبرها فرصته الثمينة ليختلي بنفسه ، فهو الآن حر والكون من حوله يؤنسه ، ومسؤولية الأغنام لم تعد على عاتقه .
وهذا ما كان ؛ إنطلق حمو اليتيم ، والذكر لايفارق لسانه ، فكان يسبح لله ويكبره بمئات الأعداد ، وينادي الله بأعلى صوته ؛ هنا وهناك .
سجد لله على السهل وعلى التل ، وعلى الهضبة ، وبقمة الجبل ، وبظل الشجر ، وعند النهر ، وبجانب الصخر ، وكلما غربت الشمس ، نام متكورا بغطاءه الذي على كتفه ، لينطلق فجرا من جديد بإتجاه الشرق .
وبعد ثلاثة ليال ، إلتقى رجلا وسط الصحراء ، بجلباب ناصع البياض ، وكأنه نازل من السماء من شدة صفاءه ، سأله حمو اليتيم من أي بلدة هو ؟
فقد ظنه أحد التجار المتنقلين ، لكن الغريب أخبره أنه رسول الله إليه ، وعليه أن يخبر أهل بلدته ، أن كل مابهم ، هو بما في أنفسهم ، فليغيروا ما بأنفسهم إن أرادوا أن يغير الله مابهم .
أجهش حمو اليتيم بالبكاء ، وتابع الرجل قائلا : والله يعلم ماسيخبروك وقتها ، فاستمع لأقوالهم كلها ، بعدها أخبرهم أن يكتب كل منهم شكواه في ورق خاص به وليكن آخر مايكتب هو إسمه ؛ واتيني بالورق سألتقيك كما إلتقيتك اليوم بأمر من الله .
وأخذ حمو اليتيم يمسح دموعه التي لم تتوقف ، وهو يرتجف ، منبهرا بالأنوار المنبعثة من الرجل ، وطيبه الذي ملئ الصحراء من حوله .
ثم استجمع قواه وسأله مطأطأ رأسه : (هل حقا الله أرسلك إلي ؟ فذلك يعني أن الله عز وجل قبل بي أنا حمو اليتيم ؟ فيالسعادتي ويالحظي ويالفرحتي ) ، هز رأسه فإذا بالغريب لا أثر له !! استغرب حمو اليتيم ذلك ، وجلس أرضا ساجدا لله ، حامدا شاكرا قبوله له ، وبعد أن هدأ روعه ، عاد أدراجه الى بلدته .
"حمو اليتيم" وبلدة الأحزان
أسرع إليهم حمو اليتيم وهو يطير طيران ، ولم يكن يعلم يوما ، أن السعادة تضاعف قوة الجسد ، وتبث في العروق كل هذا النشاط .
دخل بلدته فجرا ، وأخذ ينادي بساحتها بأسماءهم واحدا واحدا ، وماهي إلا لحظات ؛ حتى عج المكان بأهل البلدة جميعهم ، فأخبرهم كل ماحصل وطالبهم قائلا :( راجعوا أنفسكم أهل بلدتي ، وماتعانونه من هموم بحياتكم الخاصة تحديدا ، فلتكتبوه بورقة مذيلة بإسمكم ، وحاولوا أن لاتنسوا هما من همومكم ، والذي تعتبرونه ظلم في حقكم ، وكل ماأنتم ساخطين عنه بأوضاعكم ، وتعتبرونه سبب تعاستكم ، لأن أوراقكم ستستلم ، فلتسرعوا لأني سأنطلق فجر الغد ، راجعا للقاء مرسال الله ، ومن لم يحضر ورقته فلن يقبل عذره ، لا تكتبوا عن الجفاف وعن البلاد ، بل أكتبوا عن أنفسكم وعن أسركم ، لا عليكم من البلاد ستتحسن لو تحسنتم ) .
"حمو اليتيم" ومرسال الله
وفجرا جهز دابته محملة بأوراق أهل البلدة ، وكل منهم قد أجتهد بملئها بكل مشكلة بحياته ، والتي يريدها أن تحل ويعيش بعيدا عنها لتعود سعادته .
وانطلق حمو اليتيم إلى لقاء مرسال الله ، وهو كله أمل أن تفرج هموم أهل بلدته ، لأنه أيضا مشفق عليهم ، ويستغرب أحوالهم وهم مكتئبين ليل نهار .
وما أن نام الليلة الأولى ، حتى إستيقظ على أنوار أضاءت المكان ، علم منها أنها لمرسال الله ، التفت يمينا ويسارا فإذا به جالسا بالقرب منه ، إنتفض حمو اليتيم جالسا .
وحياه حمو اليتيم بأجمل تحية ، ورد الغريب بأحسن منها ،وأخبره أن الله الرحمان الرحيم ، حن عليه من وعثاء السفر ، وبعد أن أثبت نجاحه بصبره بالمرة السابقة ، فقد التقاه الغريب بأمر من الله ، وهو على مقربة من بلدته بمسيرة يوم واحد .
لم يقدر حمو اليتيم قول كلمة واحدة ، ظل يتفحص وجه الغريب المنير ، ومترقب أن يأخذ منه الأوراق ويغيب ، لكن الغريب فاجئه قائلا : ( والآن إسمع مني جيدا ، وافهم ماستقول ، ومتى ستقوله ، ولما ستقوله ، فالطيب الفطن أحب إلى الله من الطيب السادج ، لكن لم تخبرني قبلا ، هل كتبت ورقتك ؟ وهل لك شكوى ؟) أجابه حمو اليتيم متلعثما :( أنا !؟ لا لا ، لم أكتب شيئا ، ولا شيء عندي أشكوه سيدي ، قل وكل ماستقوله سأنفذه بالحرف ) تبسم الغريب ، وبعد أن أفهمه المهمة بكل حذافرها ومراحلها توادعا ، وحمو اليتيم يتماسك أن لا يبكي مجددا بكاءه الهيستيري .
ودعى له الغريب بالتوفيق ، للفوز بالحياة الخالدة ، وذلك بالعمل الطيب بهذه الحياة الفانية ، وحمو اليتيم يتساءل مع نفسه ، هل يحق له أن يطلب منه أن يخبر الله عز وجل ، أن حمو اليتيم يحبه حبا عظيما ، لا تسعه السماوات ولا الأراضي ، ولا تزنه الموازين ، وبينما هو يفكر كيف سيقول ذلك ، غاب عنه الغريب .
"حمو اليتيم" وفلسفة الحياة
وصل حمو اليتيم عند المغرب ، وأغلب أهل البلدة بالساحة الكبيرة ينتظرون ، متجهين بأنظارهم جهة الشرق ، وما أن رأوه يجر دابته في إتجاههم ، أسرعوا إليه مستبشرين ، فتلقاهم مبتسما كعادته .
ولأول مرة بعض الوجوه تبسمت ، ووجوه لحظها التعيس لم تعرف كيف تتبسم . فإستأذنهم حمو اليتيم أن يتجمعوا ، وليخبر الحاضر الغائب ، فإن الله أجابهم جميعهم .
وهكذا كان ، أخذ الكل يتجارى لإخبار المتغيبين ، وماهي إلا لحظات ، حتى صارت كل الأسر بالساحة الكبيرة ، وكلها أمل أن تتغير مقاديرها ، وتتنعم بالحياة الدنيا .
بعد أن حمد لله وشكره على نعمه ، أخبرهم حمو اليتيم ، أن الله عز وجل سماها الدنيا لدونيتها ، فهي محل إبتلاء وإختبار ، والفائز فيها هو من تنبه ؛ وعرف كيف يعيش بلواه ، وأن الله حرم الظلم على نفسه ، وجعله بين عباده محرما . فقاطعوه أنهم يريدون حلول لشكاويهم ، فلما يكثر الكلام ؟؟ فليقل ماذا كان جواب الله عليهم ؟
أجابهم حمو اليتيم :( بما أن الدنيا ليست هي الجنة ، فلابد فيها من منغصات شئتم أم أبيتهم ، والمنغصات هي محل ابتلاءنا ، وبما أن كل واحد منكم يدعي أن الآخر أقل منه هما ، فقد قرر عز وجل أن يبادلكم الهموم والمنغصات .
فليعش كل منكم منغصات غيره إلى متم عمره المقدر له ، فلتصتفوا لأعطيكم منغصاتكم الجديدة ، وبمجرد إنصرافكم وقبولكم لها ، ستتغير المقادير ، ولا عليكم أنتم كيف سيتم ذلك ، فهو الله القادر على كل شيء ، وستعيشونها كما ولو أنها لكم ، فلتتفظلوا ) .
أصابهم الرعب ، وفجأة تأملوا أن تعطى لهم منغصات أخف مما يعيشونها ، فأسرعوا بالإصطفاف أمام حمو اليتيم ، الذي كلما تقدم أحدهم لأخذ ورقة منغصاته الجديدة ، ناوله التي لغيره بعد أن يقتطع منها محل الإسم .
وهكذا إلى أن تمت الأوراق ، وعلا الضجيج بالساحة ، فالكل صار أكثر تدمرا ، ولا أحد تحمل منغصات غيره ، وأخذوا يتبادلونها ، باحثين بهوس عن منغصاتهم التي اعتادوها ، مسرعين قبل أن يقر الله العلي القدير أن تجري عليهم تلك المقادير .
خاتمة
فصاح بهم حمو اليتيم ، أن يتوقفوا وينصتوا إليه ، لكنهم رموا الأوراق أرضا مبتعدين ، وهم يصيحون :( لا تعتبرنا وافقنا بعد ياحمو اليتيم ! منغصاتنا أهون وألطف مما أعطيتنا ، فكل منا يريد ورقته حالا ، هيا أسرع !!، لما قطعت الأسماء ، كيف سنجدها الآن بهذه الأكوام ؟؟!) .
تبسم حمو اليتيم وطمئنهم قائلا :( لا عليكم من الأوراق الآن ، فإعطائي لكم إياها فقط لتعلموا أن الله أعلم بكم من أنفسكم ، أما المقادير فلن تتغير ، قلتها لكم قبلا !! لابد من تعثرات ، إنها الدنيا لا الجنة ، والله أعلم بنا من أنفسنا) .
يقول الراوي : وانتهت قصة جدي هناك ، ليحمى وطيس النقاش بين أفراد عائلتي ، محللين أحداث القصة ، ثم سألني جدي مارأيي بها ؟ فأجبته متباسما ؛ أنها لابأس بها ، وكم هو كئيب منظر تلك البلدة الحزين كل مافيها ، فصاحوا جميعهم بكلمة واحدة : (إلا حمو اليتيم !!) .
إنه حمو اليتيم وبلدة الأحزان ، إختاروه ليكون مرسالهم إلى الله ، وكان ماأرادوا وجاءهم بالخبر اليقين .
Hmmou agoujil d-Tmazirt tar afrah , gant d-amazan s-Rebbi , y-awyasend asefrou nna tigan...