السلام عليك زائرنا الكريم، مدونتك مجالس الإخوة Majalis-Al-ikhwa يزيد بهاءها بمتابعتك لها، وبعد أن كنت معها بمقال عن أدعية القرآن، سيكون مجلسنا اليوم مع "رمضان والإستعداد لشهر الصيام"، فمرحبا بك.
رمضان والإستعداد للصيام
رمضان شهر صيامنا على الأبواب ، وبيننا وبينه أيام قلائل ، فترى هل فكرنا أن نغير من سلوكاتنا ومنهجياتنا في إستقباله ، وهل نوينا تأذيته بما يرضي ربنا من الطاعات والأعمال الصالحات ليرضى عنا ، أم أن حالنا سيظل كما هو برمضاناتنا السابقة ، كل همنا الأكل والنوم والإعلام ؟!؟
الإستعداد بالتسوق والتخزين
يقول شيخنا عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر أنه بمجرد إقتراب الشهر الفضيل يبدأ المسلمين بالتسوق والتخزين ، وجمع أطعمة ماكانوا يجمعونها في غير رمضان ، ومن هذه التصرفات يتصور أن رمضان شهر للأكل والتقوت .
وطبعا ليس هناك أي مانع أن يهيأ الإنسان أكله ، ولكن ليس بهذا الهوس الذي يلاحظ بهذا الشهر تحديدا ، فليس ذاك هو الصيام ، وربك الله لا يحب المسرفين ، قال عز وجل :( يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (31))الأعراف.
فماذا تبقى لك ياعبد إن لم يحبك الرب ؟! مؤكد أنت حينها من الخاسرين .
الإستعداد لرمضان لنيل البركات
وليعلم العبد أنه بكل إستعداداته تلك ، لم ينتبه لما هو أهم وأولى ، كونه لم يتهيأ بعد لرمضان ، فليس ذاك هو المطلوب بتاتا .
فالتهيأ لرمضان هو التهيأ لما في هذا الشهر من خصائص وفضائل ، ومافيه من بركات ومافيه من خيرات ، فليهيأ العبد نفسه للأعمال التي تناسب هذا الشهر الفضيل وتليق بمقامه الكريم .
وهذا إنما يكون بتهيئة النفس للعمل الصالح ، وتجديد النية والتوبة النصوح عن كل مافات من عثرات ، ووضع برنامج منظم لوقتنا كي لانغفل لقاءاتنا اليومية مع القرآن ومواصلة ألسنتنا للذكر ، والإكثار من أنواع القربات إلى الله عز وجل .
الإستعداد لكثرة الدعاء والذكر
ومن أعظم ما يجب التركيز عليه بصيامنا ، الدعاء لما له من خصوصية عظيمة في رمضان ، والملاحظ أنه بسورة البقرة قبل وبعد آيات الصيام ، ذكر أمر الدعاء في قوله عز وجل: (وإذا سألك عبادي عَني فإني قريب أجيب دَعوة الداع إذا دَعان فليستجيبوا لي وَليؤمنوا بي لعلهم يَرشدون ) ، وقد أخذ العلماء من ذلك أن الدعاء له خصوصية عظيمة في رمضان ، فليهيأ العبد نفسه لكثرة الدعاء ، فرمضان موطن إجابة الدعاء ، وللصائم دعوة مستجابة لا ترد .
الإستعداد لحفظ الصيام عن الآثام
كما أنه لابد وأن يتنبه الصائم لحفظ صيامه من كل ماقد يخل به ويضيع جهد يومه هباءا منثورا ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال: ((مَن لم يَدَعْ قول الزُّور والعملَ به والجهلَ، فليس للهِ حاجةٌ أن يَدَعَ طعامه وشرابه))؛ رواه البخاري .
ولهذا حفظ الصيام من أهم مايقوم ويهتم به العبد فيحفظه عن الآثام ، وعن مايغضب الرب سبحانه وتعالى ، وعن اللغو وقول الزور ..، وعليه ملازمة كثرة قراءة القرآن وعمارة وقته بما ينفعه .
ولحفظ المسلم لصيامه لابد وأن يعمره بالذكر الكثير ، فقد جاء في الحديث الذي رواه الإمام أحمد والطبراني عن سهل بن معاذ بن أنس الجهني عن أبيه عن رسول الله ﷺ : (( أَنَّ رَجُلًا سَأَلَهُ فَقَالَ أَيُّ الْمُجَاهِدِينَ أَعْظَمُ أَجْرًا يَا رَسُولُ اللَّه ؟ قَالَ أَكْثَرُهُمْ لِلَّهِ تَعَالَى ذِكْرًا ، قَالَ فَأَيُّ الصَّائِمِينَ أَعْظَمُ أَجْرًا ؟ قَالَ أَكْثَرُهُمْ لِلَّهِ ذِكْرًا ، ثُمَّ ذَكَرَ لَهُ الصَّلَاةَ وَالزَّكَاةَ وَالْحَجَّ وَالصَّدَقَةَ كُلُّ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : أَكْثَرُهُمْ لِلَّهِ ذِكْرًا ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : ذَهَبَ الذَّاكِرُونَ بِكُلِّ خَيْرٍ !! ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَجَلْ )) .
وهذا الحديث أخذ منه الإمام إبن القيم قاعدة وقال رحمه الله : (( أن أفضل أهل كل عمل أكثرهم فيه ذكرا لله عز وجل ؛ فأفضل الصوام أكثرهم ذكرا لله عز وجل في صومهم ، وأفضل المتصدقين أكثرهم ذكرا لله عز وجل ، وأفضل الحجاج أكثرهم ذكرا لله عز وجل ، وهكذا سائر الأعمال)) .
فهل يستوي صيام شخص قرأ في نهار رمضان القرآن ، وآخر مر أكثر نهاره بالنوم ؟ طبعا لن يستوي ، فإن كان كلاهما نوى الصيام مخلصا النية ، وكلاهما أدى الفريضة ، فأجر الذاكر أكثر حتما .
الإستعداد لرمضان لتزكية النفس
فالله تعالى لم يشرع الصيام لأجل الامتناع عن الطعام والشراب ونحوهما من المباحات في الأصل ؛ وإنما شرع الصيام لحكمة عظيمة ، ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث ، وذكرها الله تعالى في كتابه الكريم ، وهي تقوى الله جل وعلا ، فقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 183]
وتقوى الله تعالى تكون بترويض النفس والتحكم في إنطلاقها مع الشهوات ، وذلك بردعها لإتباع شرع الله وعبادته وطاعته ، بفعل ما أمر به وترك ما نهى عنه .
فعلى الصائم ترك الذنوب والمعاصي أكثر من غيره ، وإلا لم يكن لصيامه معنى .
الإستعداد لنيل العتق من النار
ولله سبحانه وتعالى بشهر رمضان في كل ليلة عتقاء من النار ، ويا سعدهم! قال النبي ﷺ : «إن للَّه تعالى عند كل فطر عتقاء من النار ، وذلك في كل ليلة» ، وفي رواية «إن لله عتقاء في كل يوم وليلة، لكل عبد منهم دعوة مستجابة »
نعم ، برمضان يعتق الله الناس من النار ؛ فالله -سبحانه وتعالى- يتفضل على عباده الصائمين بأن يجعل منهم عتقاء من النار في كل ليلة ؛ والعتق يكون بإبعاد المعتق عن النار وإدخاله إلى الجنة .
وبرمضان ييسر الله لعباده التساهيل لأداء العبادة ؛ وذلك بحبس الشياطين ، والإكثار من عتقاء النار لقول النبيّ -ﷺ: (ويُنادي مناد يا باغي الخير أقبل ويا باغي الشر أقصر وله عتقاء من النار وذلك كل ليلة).
ويكفينا أن نتخيل عبدا يمشي على الأرض ، وقد كتب أنه من أهل الجنة ، ومن الناجين من النار . وإذا كان العبد في الدنيا إذا أعتق وصار حرا لا يعود عبدا مرة ثانية ، فما بالنا بالكريم الله ربنا سبحانه إذا أعتق رقبة عبده من النار ، أتراه يعذبه ثانية ، أو يخزيه بعد هذا الإنعام والإكرام ....حاشاه سبحانه ، وهو الكريم الجواد والكمال له وحده ، بل كل كرم وجود عند مخلوقاته ، فإنما هو من فيض كرمه وعطائه .فاللهم اجعلنا منهم وسائر المسلمين اللهم آمين .
خاتمة
فشهر رمضان شهر البركات حقا ، وشهر مراجعات وتعديلات لأخطاء الأشهر السابقة ، في جو روحاني جماعي بين المسلمين يبث في النفس الحماس والتنافس إلى الخيرات وعمل الصالحات ، و رمضان مدرسة يجدد فيها المسلم تربية النفس على الطاعة ، وعليه أن يتميز في صومه بتقوى ربه جل وعلا ، فيراجع تقصيره في الواجبات ، ويترك ما تعود عليه من المنكرات .
وهذا فيديو للموضوع للشيخ "عبد الرزاق البدر" من قناة روائع الربانيين باليوتيوب