القصة الأمازيغية العاشرة، السلام عليك زائرنا الكريم مدونتك مجالس الإخوة Majalis-Al-ikhwa يزيد بهاءها بمتابعتك لها، وبعد أن كنت معها بالقصة التاسعة سيكون مجلسنا اليوم مع القصة الأمازيغية العاشرة "الخفاش مرسال إلى الله" المصاغة ترجمتها باللغة العربية، فمرحبا بك.
|
القصص الأمازيغي |
القصص الأمازيغي وعالم الحيوانات
القصص الأمازيغي لجدي متنوع متشابه ، بين قصص على لسان البشر وقصص على لسان الحيوانات ، وهذا ماإكتشفته بتشابه بعض قصصه ، وذلك أن جدي فاجئني بسهرتنا العاشرة ، بقصة مشابهة لقصة "حمو اليتيم ببلدة الأحزان "، لكن أحداث هذه القصة دارت بعالم الحيوان والكون من حولنا.
القصة الأمازيغية : "الخفاش المرسال"
يقول جدي عن جده ، أنه في نفس سياق قصة بلدة الأحزان المتدمرة المكتئبة ، كان حال الكائنات الأخرى من حيوانات وغيرها من المخلوقات كالشمس والرياح والمياه في قصة الخفاش المرسل للقاء الله .
فقد أصابهم سخط كبير من أوضاعهم ، وكرهوا ماهم عليه بحياتهم ، وغير راضون ولا قابلين للتكاليف الملزمين بها .
فكان أن إتفقوا على التجمع بيوم أعلموا به جميعهم لتدارس الوضع ، ليتظح من عنده القدرة أن يكون مرسالا إلى الله عز وجل ويبلغه شكاويهم الحيوانية والكونية .
وبينما هم على تلك الحالة من التدمر والسخط حين تجمعهم ، إذ بالناطقة بإسم النحل تصيح بهم : ( أتعلمون ياإخوان ، نحن معشر النحل نرى أن الأمر أمر الله ، ولا يمكننا أن نتدخل في أقدارنا ، مؤكد الخبير خالقنا أعلم بما هو أنفع لنا وأقوم ) .
فصاحوا بها المتدمرون الساخطون أن تسكت ؛ فأصلا النحل بولاءها لله ، وإستسلامها لما هي فيه ، لن تتفهم شكاوي غيرها ، فهم يتنعمون ويتمرغون بالعسل !!
فأجابتهم بأزيز قوي هز المكان : ( أنتم لم تبصروا إلا العسل ! إنكم إستسهلتم عملية صنعه من أعماقنا وطرحه ليتنعم به البشر ، ولم تتنبهوا لحالنا ونحن متنقلات بين الزهرات والأعشاب هنا وهناك نلتقط الحبات والحبيبات ، ولكننا راضون ؛ هو تكليف لنا من الله ونحن ممن قال سمعنا وأطعنا ، نستودعكم الله لاوقت لدينا صراحة نضيعه ، هيا ياأمة النحل فلننطلق ) فأسرعت النحلات بالمغادرة وأزيزها يهز المكان وبعد لحظات عم الوجوم والسكون المكان .
لتصيح الشمس قائلة : (ماعلينا من النحل ، المهم الآن هل هناك من يجرؤ على السفر للقاء الله عز وجل وتبليغه شكاوينا ؟؟؟) فأجابت الخفافيش أنها ممكن أن تسافر إلى الله وتوصل الشكاوي ، فهي معروفة بقدرتها على الطيران لمسافات ، فقط فليفهموها أين ؟ وكيف ستلقاه ؟
"الخفاش" وبلاغة منطقه
وكانت الخفافيش جريئة ومستسهلة للأمر ، فأعادت سؤالها على الجمع وهي تحس بقوة مابعدها قوة ، لأنها الوحيدة من بين كل الحضور التي أسرعت واقترحت أن تحمل الشكاوي إلى الله عز وجل .
فصاحت الشمس من مكانها :( هيا أخبرونا بخفاشكم المرسال يامعشر الخفافيش ، أعنده بلاغة تؤهله للمهمة ؟ أم أنها مجرد تنطعات ؛ ولن يحل ولايعقد فتلة؟ إنها الذات الإلاهية ومقام ربنا مقام أرفع من الرفعة وأرفع ، فمن سيحمل شكاوينا ودعواتنا إلى الله لابد وأن يكون مقدر لما هو مقدم عليه) فعم الهدوء والوجوم الأجواء ، بل أن الكثيرون إنسحبوا مطأطين رؤوسهم متراجعين عن شكاويهم بلا أي إعتذار .
"الخفاش" وشكاوي المخلوقات
وتوالت الإنسحابات إلى أن ظن الثائرون أن المخطط قد فشل ، فقد خف المجمع الخلائقي إلا من قلة قليلة من المخلوقات ، فكانت هناك الشمس والرياح والمياه وتبقى من الحيوانات : الأفاعى والحمير .
إلا أن نهيق هذه الأخيرة تعالى بالمكان ، فقد تشابكت مع البغال في صراع وعض القوي الضعيف ، فجأة تتابعت متجارية ، منسحبة من المجمع ونهيقها يملئ الأفق . وهنا توقف كل شيء للحظات ؛ حتى غابت الحمير والبغال ولم يعد يسمع نهيقها .
سألت الشمس المجمع ماأمر الحمير ؟؟ فأجابتها الجبال أنها سمعتهم يتلاومون وهم يتخافتون ، وكان خلافهم فيما بينهم عن النهيق ، فالبغال إستخفوا بمطلب الحمير كونهم يأملون أن تصل شكواهم الله ، ويبدل نهيقهم المقيت ؛ المفزع ؛ المزعج بصوت رخيم ؛ جميل ؛ رنان ، مما جعل الحمير يذكرونهم أنهم أيضا ينهقون .
وقالت الجبال :( لقد إستفزوهم بذكر قصتهم المشهورة بيننا قديما ، حين قيل لبغل يوما من أبوك ؟ قال خالي الحصان ، ولم يرد أن يذكر أباه الحمار ، ولما حاول أن يصهل كخاله الحصان ، لم يتمكن إلا من أن ينهق كأبيه الحمار ) فانفجر الجموع ضاحكين .
وتابعت الجبال قائلة : ( وطبعا لم تقبل البغال أن تنسب إلى الحمير ، ولهذا حمى بينها الوطيس ، وعض بعضهم البعض ، فتقطعت الذيول والأذان ، وقد سمعت كبير الحمير يطالبهم بالإنسحاب ، قائلا أن النهيق قليل في حقهم معشر الحمير ، فهو يخاف أن يبتليهم الله بألعن منه ) .
تعالى الضحك مرة أخرى بالمكان ، فصاحت الشمس بالجميع أن يلتزموا الهدوء ، فقد تقارب وقت غروبها ، وليسرعوا باتخاذ قرارهم ، وإلا فإنها لن تكمل معهم اللقاء ، فهبت الرياح جهة إلى الخفافيش ، وسألتها أن تخبرهم كيف سيكون طرح الشكاوي للمقام الإلاهي ؟
فأجابت الخفافيش أن الخفاش البني هو أكثرهم بلاغة وهو خطيبهم الفصيح ، فنادته الشمس ليلتحق بوسط المجمع وليخبرها هل فهم المهمة ، وليقل ماذا سيقول هناك عند الله عز وجل .
"الخفاش" مرسال الجرأة والبلاغة
فقال الخفاش أنه لو تمكن ونجح بلقاء الله تعالى ، سيبدأ كلامه طبعا بالتمجيد والثناء عليه عز وجل ، وسيتوسل إلى الله عز وجل أن يتقبل منه مجيئه إليه بشكاوي وتدمرات لمخلوقات من مخلوقاته ، وما هذه الشكاوي والتدمرات عصيان ولا جحود في حق تشريعاته وأقداره عز وجل ، وإنما هي طمع في جوده وكرمه ورحمته التي وسعت كل شيئ ، فهو الرحمان الرحيم والجواد الكريم ، وقال الخفاش أنه لن يواصل كلامه إلا لو أذن له الرب العلي القدير بذلك .
وهنا فرحت الشمس وزاد شعاعها بريقا ، وقالت مخاطبة الخفافيش :(فعلا أحسنتم الإختيار ، فرغم رغبتي في وصول شكايتي معكم لله عز وجل ، إلا أنني كلما تذكرت أنه الله ذو المقام العالي ، خجلت من نفسي وأكاد أتراجع ، لكن الخفاش الرمادي بأسلوبه هذا طمئنني ) .
وفرحت الرياح والمياه والأفاعي ، وزاد إعتزاز الخفاش بنفسه ووعدهم أنه سيزيد ويزيد من الثناء على الله حتى يوافق على طلباتهم ، فليطمئنوا إنه الله ربهم ، ومؤكد سيلبي طلباتهم ، وماعليهم الآن إلا أن يفصحوا للخفاش عن طلباتهم والتي لحد الآن لم ينطقوا بها ، فكل ماقالوه أنهم غير راضين عن أوضاعهم لاغير ، فعملوا معه جلسة إنفرادية سرية أخبروه مطلبهم هم الأربعة ، أما البقية فقد إنسحبت .
"الخفاش" والهدهد الحكيم
انطلق الخفاش بعد أن أخبروه أن تكون إنطلاقته شرقا ؛ مسبحا ومهللا إلى أن يلتقيه الله ، وأن لم يتلقاه فعليه أن يستمر بالطيران شرقا ، وألا يعود إلا بعد خمسة أيام بلياليها ، حينها فقط سيعلمون جميعهم أن الله لم يقبل مرسالهم ، وهم بالمقابل سيسبحون ويهللون إلى حين عودته إليهم بالتباشير .
وما أن بدأ مسيرته فجرا ، حتى لحق به الهدهد الحكيم يناديه أن يتوقف ليخبره الخبر اليقين ، توقف الخفاش وهو يتسائل مالخبر اليقين ؟!
ققال له الهدهد : ( أراك تسرع باتجاه لقاء الله عز وجل مطمئنا ، وكأنك لا تعلم ماأنت مقدم عليه؟! )
قال الخفاش :(طبعا أنا مطمئن ، فأنا مجرد مرسال مخلوقات إلى خالقها )
قال الهدهد :( كم أنت مغرور ، إنه الله العزيز الحكيم ، العلي القدير ، الخبير بكل أحوال عباده ، أأنتم يأأضعف مخلوقاته أعلم بما يناسبكم ومالا يناسبكم ؟؟ ماكلفنا به هو تكليف لنا لابد من تأذيته ، وماعلينا إلا قول سمعنا وأطعنا ، كيف تسرع إليه جل وعلا بكلمات لحظات ضعف ، إنها مجرد شطحات فكرية شيطانية ، لابد من التنبه للحق لتجاوزها والعيش بسلام ، هيا أخبرني مطالبهم ؛ مؤكد هي مطالب جاحدة أنانية لا وزن لها ، ستخجل منها حين أوظحها لك ).
فأخبره الخفاش المطالب بعد أن أخذ من وعدا أن لايذكرها لأحد ، فقد ائتمنوه على مطالبهم سرا وهو لايريد أن يعتبر خائنا .
هنا ضحك الهدهد قائلا :( أما أن أتكلم بما أخبرتني فهذا ليس من طبعي ، أما ما أنت مسرع محمل به فهو قمة الجهل والغباوة ، إرجع أدراجك إليهم وأخبرهم أنك وزنت كلماتهم فوجدتها لاوزن لها ، فكيف بالشمس أن تطلب من الله عز وجل أن يأذن لها أن لا تغيب ؟! قائلة أنها ملت أن تغيب وتشرق مجددا كل يوم ؟ ألم تعلم أن لمشارقها ومغاربها مآلات ، وأسباب ، ونتائج متماسكين بها ، ولايمكنها وقف مسيرة كل ذلك رغبة منها أن تشرق ولا تغيب !!!! وأولهم خليفة الله في الأرض ، مخلوق الإنسان ؛ العامل المتجاري على رزقه ، كيف له السكون واسترجاع طاقته ليوم عمل جديد إن لم ينعم بليل هادئ ؟؟؟! أتظن الشمس أنها خلقت لنفسها ؟ إنها مغفلة إذا !! بل خلقت للعمل من أجل الآخرين المخلوقين أيضا للعمل لغيرهم .
ومابال الرياح تطلب أن تدور وتهب بمكان واحد ، قائلة أنها ملت اللف والدوران بكل الإتجاهات ؟! مال لهذا الكون عمه الكسل والخمول ؟؟ ألم تعلم الرياح أنها لا تهب وتدور إلا بحكمة من العلي القدير ، ودورانها له ماله من الفوائد لغيرها وممالايمكنها تقديره ، أبسطها لولا هبوبها لغطت أنسجة العناكب الأجواء!!!
وما بها المياه تريد أن تكون لها واقفات ؟! وتريد أن يكون جريانها نهارا وتتوقف ليلا ، وتقول أنها ملت الجريان ؟!ألم تعلم أنها وهي جارية تكاد لا تكفي المخلوقات ، فكيف بها لو لها وقفات؟!!! ألم تعلم أن منها خلق كل شيء حي ؟؟ ألم تتنبه بأن حياتها وصفاءها وعذوبتها في جريانها ؟ أتريد أن تكون مياه راكدة معششة ميتة ؟؟؟
وماللأفاعي تشتكي وتقول أنها ملت تنقلاتها على بطنها وملت الأرض ، وتريد أجنحة تطير بها ؟ ألم تعلم أنها خلقت لما خلقت له بأمر من العليم الحكيم ، وحالها وهي متسحبة على بطنها مرعب ؛ فكيف وهي متطايرة هنا وهناك ؟؟! )
أطرق الخفاش واجما ، فبادره الهدهد :(صراحة محزن أمر المخلوقات ! استودعك الله ) .
خاتمة
عاد الخفاش أدراجه إلى حيث المجمع ، إستغربوا عودته بهذه السرعة ، فالشمس لم يتبقى على مغيبها إلا دقائق ، لكنه أخبرهم أنه تراجع ولن يكون مرسالا لطلباتهم ، فقد وزنها فلم يجد لها وزنا .
فلام الشمس والرياح ، والمياه والأفاعي ، وشرح لكل منهن مثلما شرح له الهدهد ، وقال :( أنا أعتذر ؛ فهذا ما توصل إليه عقلي بشأن طلباتكم ، ولم أتوصل إليه إلا وأنا في العلو ، ولا عليكم لن أذكر طلباتكم لأحد ) .
فثارت ثائرتهم ، معتبرين الخفاش يتلاعب بمشاعرهم وإعترفاتهم له بمكنوناتهم ، فهبت الريح هبة قوية ، وتوعدته أن تكون ناسفة لأعشاشه أينما كانت ، وأنطلقت بعيدا ، ونفسها حالة الأفاعي ؛ فقد توعدت بأكل صغاره أينما صادفتها وانسحبت مبتعدة ، لتهتز المياه وتتجارى في مجراها ، معلمة الخفاش أن لا يكون شربه للمياه ميسرا كباقي المخلوقات ، وسيعاني بشربه أيما معانات ، وغابت الشمس عليه مهددة له أن لاتراه نهارا وإلا فسيندم مادام حيا .
وقال جدي ، ومن يومها الخفاش لا يتنقل إلا ليلا ، وشربه للماء غير كل الحيوانات ، والرياح والأفاعي من أعدائه الكبار .
هنا قلت لجدي :( الخفاش إذا سيكون موضوع بحثي المقبل بالأنترنت ، سأتحقق مما تداولته القصص الأمازيغي في حقه ) . ضحك جدي وطلب أن أخبره بالنتائج .