الباكالوريا وعشق الدراسة" هي خاطرتنا اليوم، السلام عليك زائرنا الكريم مدونتك مجالس الإخوة Majalis-Al-ikhwa يزيد بهاءها بمتابعتك لها، وبعد أن كنت معها بخاطرة "أنا افكر" ستأخذك اليوم ألوانها لخاطرة بأجواء "الباكالوريا وعشق الدراسة"، فمرحبا بك.
الباكالوريا البوابة الكبرى
أجواء الباكالوريا |
الباكالوريا وأجواءها من حولنا، البوابة المزخرفة الكبيرة والكبيرة جدا؛ والتي تفتح أمام الناجحين على مصراعيها ليجدوا أمامهم ممرات ومسالك عدة لابد من الجهد الجهيد لبلوغ نهاياتها.
هكذا أنا كنت أتخيلها وأحسها، إنها البوابة التي ننتهي إليها بعد مسيرة الإثنتي عشر سنة الأولى من عمرنا، بخطى بريئة، جادة، قوية، ومرحة.
شهادة آخر سنة بالثانوية، والتي بإستلامها يدرك التلميذ أنه بدأ مسيرة تحمل مسؤولية قراراته، وبالتالي لابد من تحمل وتقبل نتائجها.
أجواء باكالوريتي شممتها بعد كل هذه السنوات، بلقاء صديقتي المفاجئ هذا الصباح على مقربة "مكتبة الثانوية".
هي بكمامتها وأنا بكمامتي، والتلاميذ والتلميذات من حولنا، تبادلنا النظرات وضحكنا، تساءلنا عنهم وعن طموحاتهم، تراهم متلهفون لمدرجات الجامعة مثلما كنا متلهفات ؟؟!
الإعدادية وتوديع الطفولة
بالشهادة الإبتدائية، والتي كان عمرنا حينها قد تجاوز العاشرة بسنتين، فرحنا لإحساسنا أننا لم نعد أطفالا، فهانحن سندخل المسار الإعدادي ليعدنا للمستويات الأعلى.
فهمنا أننا ودعنا اللعب، فبعد الشهادة الإبتدائية لن نلعب أبدا، أجل اللعب لم يعد يناسبنا ولايليق بنا، أتذكر أنني جمعت عرائسي حينها وعانقتها مودعة، وأعطيتها للأصغر مني؛ إلا إثنتين، أجل أخفيتهما بمكان جميل للذكرى .
ومع متم سنوات الإعدادية، زاد فهمنا لما نحن إليه سائرون، وكانت السنوات الثلاث المتبقيات بالثانوية، هن الخواتم لكل تلك المسيرة الدراسية الرائعة .
فهاقد وصلنا البوابة الكبيرة؛ بوابة الباكالوريا، وكم كنا نتساءل حينها مرعوبات ونحن على مشارفها، هل ياترى سنتمكن من فتحها وعبورها !! وياترى ماينتظرنا بعدها !؟ كم كنا سعيدات ومتفائلات جدا ياصديقتي، اليس كذلك ؟
الباكالوريا والآفاق الواسعة
مررت أنا وصديقتي على تجمعاتهم هناك بالحديقة الخارجية للثانوية، فتذكرنا أيامنا حينها، تذكرنا كيف كنا متشوقات للجامعة، كنا في هوس بإستعداداتنا مع الملخصات والشروحات.
نعم تذكرنا كيف كنا جميعنا بتلك الأجواء متعاونات، نتبادل الدروس والملخصات، وننسخ إمتحانات السنوات السابقة، ونستخرجها مثلهم الآن تحت ظلال الأشجار، والمنافسة بيننا على أشدها.
نستعد ونخطط ونتمنى، فمنا من ستتابع مسارها الجامعي باللغات، ومنا من ستتابع مسارها بالتاريخ والجغرافيا، وأخريات قررن إختصار المسار من أوله بولوج مركز المعلمين لأربع سنوات، ليشتغلن بعدها معلمات بالمستوى الإبتدائي.
إلا أنا وصديقتي هذه، قررنا أن نمشي على خطى أستاذنا الرائع ! أجل كنا إثنتين، والأخريات إستغربن منا ومن إختيارنا !! صحن جميعهن مستغربات، كيف لكن أن تخترن متاهة شعبة الفلسفة ؟!
وقلن : (نحن الآن نخرج من الحصة تائهات ! فكيف سيكون حالكن مع مواد الفلسفة، مؤكد بالجامعة ستكون تشعباتها أكثر عمقا وغرابة ؟! ).
هن ممن يعتبر "الفلسفة" للإستماع وللثقافة العامة فقط ، درس قد تفهمه ودرس قد تتجاوزه وهكذا، لكن أن نختار أن نتابع فيها، ونغوص سراديبها فعجيب أمرنا بالنسبة لهن.
الباكالوريا والفلسفة والجامعة
لكنه الإنبهار بالفكر الإنساني الرائع ! كيف لهن أن يستغربن منا هذا الإختيار؟؟ فربما هناك بالجامعة سنتمكن من فهم "طاليس" و"سقراط"، أكثر من فهمنا السطحي لهما الآن.
إنها مجموعة أسماء خلقوا بداخلنا فضول للغوص في عوالمهم أكثر وأكثر : "أرسطوا" و"ديكارت"، "سبينوزا" و"ماركس"، "أنيكسماس" و"أنيكسماندريس"، و"الميتافيزيقا" و"المنطق"، واللوغو والأسطورة...وأثينا ومعالم اليونان المثيرة كلها.
ضحكت صديقتي وقالت : (أستاذنا أبهرنا حقا ! اتذكرين ، كان يمشي وسط ساحة الثانوية كأحد الفلاسفة ؛ مشية مميزة بثقل وإتزان، وكانت كلماته مميزة وحصته مميزة ..) .
أجبتها : (نعم لا أحد يمكنه أن ينكر ذلك ،وحتى إسمه كان مميزا عن الأسماء المعتادة بيننا وقد كنا نسأل بعضنا : "واش جا الفيلسوف؟" ) أجل كنا نسميه فيلسوفا ! وليس أستاذ الفلسفة. فقد تلبس مادة الفلسفة وتلبسته الفلسفة بجاذبيتها حتى صارا جسدا واحدا.
وكنا أنا وصديقتي، بل وكل التلاميذ نهابه ونحب حصته ، قلت لها وأنا في قمة السعادة لرجوعي لتلك الأيام : (مازلت أتذكر أن حصة الفلسفة تتحول فيها معالم "القاعة"، من قاعة عادية بثانوية، إلى مدرج مصغر مقتطع من إحدى الجامعات ).
قاطعتني صديقتي قائلة : ( نعم أتذكر ذلك وكان تلاميذ أقسام الباكالوريا الأخرين، ممن عندهم حصة فارغة بين الحصص، يأتون لحصة أستاذنا، محملين بكراسي من الأقسام المجاورة، وكان التلاميذ يتراصون إلى أن يصلوا مدخل القسم، والكل منكب على أخذ النقاط والأفكار المتهاطلة علينا، لتنتهي الحصة في لمح البصر، لا نعرف كيف تطاير الزمن بحضور أستاذنا ومادته الرائعة).
قلت لصديقتي :( كان يقف بكل وقار بنهاية الحصة مخاطبا بحب التلاميذ الدخلاء علينا، يطالبهم أن يعيدوا الكراسي لمكانها قائلا : "ردوا أولادي لكراسا منين جبتوهم"، والكل يرد عليه بأدب : "مرحبا أستاذ"، يخرج من بين كل ذلك الكم الهائل من التلاميذ ، والكل منبهر من روعته وهيبته، أجل أحببنا مادة الفلسفة من حبنا لأستاذنا ).
سألتني صديقتي أمازلت أتذكر منزل أستاذنا ؟ أجبتها بسرعة طبعا، كان يسكن على مقربة من الثانوية، وكنا نراه خارجا أو داخلا هناك، لدرجة كنا نعتبر منزله مميزا عن كل تلك المنازل المجاورة له، مع أنها منازل مشابهة لمنزل أستاذنا تماما.
أخبرتها ضاحكة :(اتعلمين ياصديقتي، أنني مازلت أتذكر أول حصة لي بالجامعة، كانت لمادة "الفلسفة اليونانية"، وكانت بأكبر مدرج بالجامعة، وكانت الحصة بالساعة التانية ظهرا، وكان المدرج تتدلى على طول نوافذه ستائر سوداء، وخشب الكراسي ومنصة الدكتور المحاضر بالبني اللامع، وكان الدكتور غريب المنظر، أصلع مقدمة الرأس وشعره كثيف وطويل على الجوانب ...امتلئ المدرج بكامله وطارت بي المحاضرة لقسم أستاذي بالثانوية، وفجأة صرنا جميعنا هناك باليونان ....
الباكالوريا التاج المرصع
الباكالوريا حلم جميل ونجاح مبهر ، أحسسنا معها أن كل تصفحنا للكتب لطيلة 12 عاما ، قد تكلل بهذه الشهادة المذهبة والمرصعة باللؤلؤ الأبيض والأخضر ، والأحمر والأصفر والكثير الكثير من الألوان الشفافة واللامعة والجميلة جدا .
كم كنا نحب العلم ونحب الكتب ، وكان ذلك من حبنا لمعلمينا وأساتذتنا الأفاضل ، أتذكرين ياصديقتي "ورقة الدفاتر" ؟؟ تلك التي كنا نأتي بها بعد أول يوم لقاءنا بأساتذتنا بالإبتدائية .
كنا نناولها لآباءنا ليأتونا بالمطلوب من المكتبات ، وبمجرد دخول الأب وهو محمل بتلك اللوازم المدرسية نسرع إليه ويكون همنا الكتاب المدرسي الجديد اللامع ، رائحة أوراقه ماتزال عالقة بذاكرتي ..
خاتمة
اجواء الباكالوريا طارت بنا بعيدا ياصديقتي، حيث كانت أحلامنا وطموحاتنا؛ والتي بعد عبور بوابة الباكالوريا، تغيرت معالم مساراتها، وتفرعت بها الأيام يمينا وشمالا.
وهانحن ياصديقتي بعد كل هذه السنوات، مؤكد بداخل كل واحدة منا كتاب جميل، بأحد فصوله خصصت كلمات إجلال وتقدير لأساتذتنا الأفاضل، والذين لن ننساهم أبدا.