recent
أحدث المجالس

منزلة "العلم"، منزلة من منازل الإيمان Stations of Faithe "al-ilm"

 منزلة العلم من منازل الإيمان وهي موضوع اليوم، السلام عليك زائرنا مجالس الإخوة Majalis-Al-ikhwa يزيد بهاءها بمتابعتك لها. وبعد أن كنت معها بمنزلة "الخوف والرجاء" سيكون مجلس اليوم مع "منزلة العلم" المصاحبة للعبد السالك إلى الله.

العلم شرط صحة العمل

<script> var meta=document.createElement("meta");meta.setAttribute("content", "منزلة العلم,العلم,فضل العلم ومنزلة العلماء,منزلة العلم والعلماء,منزلة,العالم,منزلة العلم للدكتور محمد راتب النابلسي,العلماء,منازل,مكانة العلماء,مكانة العلم عند الله,العلوم,التعلم,مكانة المعلم,كبار العلماء,العلماء ورثة الأنبياء,هيئه كبار العلماء,العلماء في الاسلام,العرب,العقل,العثة,منازل الإيمان,المسلم,والعلماء,الفهم,عبدالله بن ناصر السلمي,كبارالعلماء,ابن القيم,عالم,حديث المنابر"),meta.name="keywords",document.getElementsByTagName("head")[0].appendChild(meta); </script>
"العلم" منزلة من منازل الإيمان
منزلة العِلم، كما قال ابن القيم رحمه الله مصاحبة للسالك من أول مدارجه ومن أول مراتبه إلى آخرها، لا يجوز أن يسلك عبد إلى ربه بغير علم، لأن العلم شرط صحة، إن توفر صح العمل، وإن تخلَّف بطل، ولذلك ترجم الإمام البخاري في صحيحه: (باب العِلم قبل القول والعمل).
لا يصح اعتقاد بغير عِلم، ولا يصحّ عَمَل بغير عِلم، ومن هنا جُعل العلم من منازل إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ، فهي من المنازل الثابتة، بَيد أنها منزلة قابلة للتدرج والترقي، أي ليست على حال واحدة، ولا هي على مرتبة واحدة، بل العِلم مراتب ودرجات.

العلم مراتب ودرجات

والعِلم قد يكون تخصصاً خاصا بالعلماء، فهذا ضرب ونوع، وقد يكون مما ينبغي لكل مسلم أن يَعلَمه من الدين، وهذا ضرب آخر، والذي يهمنا ما ينبغي على عامة الناس أن يعرفوه ويتعلموه من العلم، الذي به يسلكون إلى الله عز وجل، والناس في العِلم طائفتان: مُفْرِطة ومُفَرِّطة.
■ الطائفة الـمُـفَرِّطة : قوم فرَّطُوا فأنكروا العلم وحاربوه في طريق العبادة، فكانوا بذلك من الجاهلين، وكانوا بذلك من الضالين، الذين قالوا من قبل: تأخذون علومكم من ميت عن ميت، ونأخذ علومنا عن الحيّ الذي لا يموت، هذه كلمة لا تصحّ، ولا ينبغي لعاقل من المسلمين أن يرددها على سبيل الاعتقاد بها والعمَل بها، كلمة قد يستعملها إبليس ويُلقيها على خاطر بعض الذين لا عِلم لهم، فيعبدون الله بغير علم.
لا ينبغي أبدا للمؤمن الكيس الفطن أن يسلك إلى الله بمثل هذا القول، فينتقد على أهل القرآن تعلقهم بالقرآن، وينتقد على أهل الحديث والسنة تعلقهم بالسنة، على أساس أنه هو متعلِّق بالله، وهذه كلمة كما قال علي بن أبي طالب : «كلمة حقّ أُريد بها باطل»، التعلق بالله حقّ لكنه مشروط باتباع الكتاب والسنة، فمن خالفهما ما كان أبداً ليصل إلى الله عز وجل، ولا أن يكون من الصالحين، فهؤلاء إذن فرَّطوا في العلم، فعبدوا الله بالجهل، ومن هاهنا نشأت البدع في تاريخ الدين، فأُنشئت عبادات ما أنزل الله بها من سلطان، وقيل بعقائد باطلة بسبب مجافاة هؤلاء للعلم، وإنكارهم لمن تتبع نصوص الكتاب ونصوص السنة.
من أين إذن يُؤخذ الاعتقاد إن لم يُؤخذ من صريح القرآن وقطعيه؟ ومن أين يُؤخَذ إن لم يُؤخذ من صحيح السنة النبوية الشريفة؟ ومن أين بعد ذلك يُؤخذ العمل من صلوات وزكوات وصيام ومندوبات وهلمَّ جرا إن لم يُؤخذ من نصوص الكتاب ومما أُثر من صحيح السنة؟
يقول شيخنا أنه من هاهنا نشأت البدع، حتى إن من البدع ما كان بدعة حقيقية في نقد العلم، ومن البدع ما كانت إضافية في نقد العِلم.
وهذا اصطلاح لأبي إسحاق الشاطبي رحمه الله، الرجل الرباني العارف بالله حقا، صاحب كتاب «الاعتصام» الذي قسم البدع إلى قسمين: بدعة حقيقية وبدعة إضافية.
وليس هذا بمعنى ما يُنتَقد من تقسيم البدع إلى بدع مستحسنة أو حسنة، وبدع منكَرة، فالبدع كلها منكَرة، ليس في القبيح حسن، لا يمكن أبدا أن نُصنف البدعة على أنها بدعة، ثم بعد ذلك نصفها بالحُسن، فوصف البدع بالإضافية والحقيقية شكل آخر.
وينبغي للفطن أن يميز بينهما في معرفته، وفي دعوته إن كان من الدعاة إلى الله عز وجل، وفي علاقاته مع أهل البدع.
وهذا التقسيم مقبول على أصول الكتاب والسنة. فمن البدع ما هو بدع حقيقية، أي لا أصل له في الدين، كأن يقوم شخص مثلا بشق رأسه على أنه يعبد الله بذلك، فمثل هذا ما أنزل الله به من سلطان.
أي ليس هناك أبداً من نص في الكتاب، ولا في السنة، ولا في اجتهاد المسلمين عبر التاريخ ما يمكن أن يُستأنس به في إجازة مثل هذا العمل.
هذا بدعة حقيقية. وهذا خطير فعلا وينبغي أن يُنتبه إليه وهو ما له أصل في الدين، أي عنده فيه أصل لكن التحريف ليس في الأصل، لا، التحريف وقع في تحقيق المناط بتعبير علماء أصول الفقه، أي في كيفية التطبيق.
مثلا، كالصيام.
الصيام مشروع إما على الوجوب أو على الندب، لكن قد يقع الصيام بنوع من البدع، مثلا: كأن يصوم شخص ولا يستظل، لا يدخل للظل طلبا لزيادة الأجر، هذا باطل، لا يجوز له أن يشترط على نفسه في صومه أن لا يستظل، هذا عمل باطل، فالصوم حقّ، لكن أن تُوَقِّعَه بهذه الطريقة بدعة، وهذه هي البدعة الإضافية وليس الحقيقية، فرق كبير بين تلك وهذه. الأول الذي شق رأسه هذا مجنون، أما هذا فعابد لكن بجهلٍ، -بدعةٌ إضافية-.
أو أن يصوم بشرط أن لا يُكلِّم أحداً إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ اُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا ، يُقال له هذا شرع من قبلنا وهو منسوخ، لأن شرع من قبلنا نعم شرع لنا ما لم يرد ناسخ، والناسخ وارد وهو تشريع رمضان بالمواصفات المعروفة، فما كان النبي يصوم ولا يُكلِّم أحداً، بل كان يكلم الناس ويَخطُب الناس.
فإذن البدع الإضافية في الدين هو ما له أصل في الدين، لكنه عندما أراد أن يُطَبقه أخطأ، أمثال هؤلاء يُقال لهم: مفرِّطون في العلم، فصاروا إلى البدع الحقيقية حيناً وإلى البدع الإضافية حيناً آخر.
كالذين ينقطعون عن الأكل والشرب أربعين يوماً مثلاً، هذا ما ينبغي، لأن النبي نهى عن صيام الوصال، وهو أن يصوم الإنسان النهار ويضيف إليه الليل، يصوم الإنسان النافلة مثلا، تجيء المغرب فَيْقُول حتى للعشاء، ومن العشاء حتى السحور الآخر، ومن السحور الآخر حتى المغرب القادم، وقد يضيف..، هذا صيام كان خاصا برسول الله ، فنهى الصحابة عنه، وقال فيه إني لست كهيئتكم، إني أبيت عند ربي يطعمني ويسقيني، فنهى الصحابة عن ذلك.
والذي ينبغي أن يقع لدى الإنسان أن طَلَبَ المشقّة في العبادة ممنوع، لا تبحث عن العبادة المتعبة، ظنّاً منك أن فيها أجرا زائدا، لأن الدين يُسر، نعم، إذا انجرَّت المشقة مع العبادة المفروضة فهذا شيء محمود الصبر عليه، تُؤجر عليه كما يؤجر المؤمن على الجهاد في سبيل الله، يُؤجر المؤمن حتى على الشوكة يُشاكُها، المؤمن مأجور على المشقة التي حصلت له.
إصباغ الوضوء في المكاره أو على المكاره أيام البرد، ولم تجد الماء الساخن، وصبرت وتوضأت بالماء البارد، فأنت مأجور على هذا. لأن الوضوء واجب عليك، ومادمت تتحمل الماء البارد فعليك أن تتوضأ به وأنت مأجور على المشقة اللاحقة بذلك الفعل.
أما أن تتخير المشقة وبين يديك الفعل السهل فلا يجوز أن تختار بين الأمرين أعسرهما، وإنما رسول الله إذا خُيِّر بين أمرين اختار أيسرهما. تهور الإنسان في بعض الأحيان يخرجه من السنة ويرميه في البدعة دون أن يشعر، ظَنّاً منه أنه قد سار إلى العبادة الحقة، «لا يُطلب الدين إلا بعلم»

■الطائفة الـمُفْرِطة : طائفة ثانية على خلاف الأولى التي فرَّطت، طائفة ثانية أفرطت، والإفراط كالتفريط، كلاهما يقود إلى البدعة أيضاً، الإفراط في العِلم ليس معناه أن الإنسان يُكثر من العلم، لا، أبداً، وإنما المقصود هاهنا بالإفراط، إلزام الناس ما لا يلزمهم، العِلم.
هناك علم ضروري ما يُسمى بالمعلوم من الدين بالضرورة لا يجوز لمسلم أن يجهله، ما لا يسع المسلم جهله، يعني، كيف تتوضأ وكيف تصلي، واجب عليك أن تعرفه، سورة الفاتحة واجب عليك أن تحفظها، آيات وسور قَلَّتْ أو كثرت مما يُساعدك على الصلوات الخمس واجب عليك أن تحفظه وجوباً عينيا ما دُمتَ مسلماً.
لكن أن تُكلف الناس زيادة عِلْمٍ على سبيل التعميم فهذا إفراط، تكليفُ ما لا يُطاق، وتكليف ما لا يُطاق مرفوع في الشريعة.
وما كان الصحابة رضوان الله عليهم علماء أجمعين أو على مستوى واحد من العلم، والنبي عليه الصلاة والسلام وصف معاذاً بن جبل وقال فيه: «وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ»، يعني كان أعلم الصحابة وأفقهَهم بالحلال والحرام، مما يدل على أن آخرين ما كانوا على ذلك المستوى.
وقد أُثر عن أبي بُرْدَةَ كما ورد في الموافقات للشاطبي أنه أكل البَرَد في نهار رمضان (التّبْرُورِي)، رآه فأكله، قال: مَاهو بطعام ولا بشراب، وإنما رزق أنزله الله من السماء، لم يعرفه، فليس كل الناس لا في زمن رسول الله ولا بعده، كانوا سواءً في العِلم، مما يدل على أن الصحابة كما أكَّدتُ لم يكونوا على مستوى واحد من العلم، وما كَلَّفَ رسول الله الناس بأن يكونوا علماء أجمعين، مستحيل تكليف ما لا يُطاق.
ولذلك قال شيخنا بالبداية: العِلمُ درجتان، معلوم من الدين بالضرورة هذا واجب على الجميع، وعِلمُ تخصص هو لأهله، متفرغون له وعندهم القدرة والعقل والشروط الاجتماعية والمادية والنفسية، وذلك يؤتيه الله عز وجل لمن يشاء.
إذن العلم منزلة، إنما معنى المنزلة هاهنا منزلة إيمانية، ومنازل الإيمان متاحة لجميع المسلمين، إذا كان ذلك كذلك فمعناه أن تحصيل منزلة العِلم ليست من الدرجة الثانية، ليست من درجة التخصُّص، لو كانت كذلك ما كانت منزلة.

العلم خُلق قرآني ونبوي

معلوم أن منازل الإيمان هي لجميع المسلمين، كل حسب اجتهاده، فمنزلة العلم إذن هي عِلم بالله عز وجل، صحيح أن العِلم بالله بابه العِلم بكتاب الله تعالى، وبسنة رسول الله، ولكن ليس على الإطلاق، ليس كل النصوص يلزمك حفظها حتى تكون عالماً بالله.
يُطلب من المكلف -في عِلم النصوص- المعلوم من الدين بالضرورة، وبعد ذلك يُطلب منك تدبُّر ما تعلَّمتَ من كتاب الله، وتدبُّر ما تعلمتَ من سنة رسول الله، وذلك قول الله عز وجل: {وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ}.
فقد قُرئت الآية قراءات ثلاث، {بِمَا كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ الْكِتَابَ}، {بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ}، {بِمَا كُنْتُمْ تَعَلَّمُونَ الْكِتَابَ}، أي تَتَعَلَّمُون، حُذفت التاء للتخفيف، {وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ}.
لكن مُدارسَة الكتاب، وتَعلُّم الكتاب لا يقتصر على تعلُّم رسومه وإنما المطلوب تعلُّم حقائقه، فليس تعلم الكتاب أو تعليم الكتاب هو الذي يُعطي الصفات الربانية، وقد ورد عن ابن عباس: أن الرباني هو من يُعلِّم صغارَ العِلم قبل كباره، هو من يبدأ بصغاره، أو الرَّبَّانِيُ من يُرَبِّي بصغار العلم قبل كباره.
إنها عبارة عجيبة وقد وردت في ترجمة البخاري، فمثلا عندما تريد أن تعلم طفلا صغيرا كيفية صعود الدرج فإنك لا تطلب منه الصعود في جميع الدرجات وإنما تتدرج معه حتى يصل، وهذا مثال من يُرَبِّي بصغار العلم قبل كباره.
وتلك سنة الله تعالى في النَّسخ في القرآن الكريم، وآيات الخمر هي أقرب إلينا، لأن ربنا عز وجل كان عليماً بأن الخمر حرام، منذ الآيات الأولى من نزول القرآن الكريم، ولكن لم يُحَرمها إلا في المرحلة المدنية، ثلاثة عشر سنة والصحابة مع النبي في مكة والخمر لم يُحرم عليهم، بل وزمن من المرحلة المدنية والخمر لم يُحَرم بعد، وقد شربها بعض كبار الصحابة وقصة حمزة عمّ النبي شهيد أُحد معروفة، وردت في التفاسير أن النبي [ ومعه علي بن أبي طالب دخلا عليه فوجداه ثمِلاً، فقال لهما: إن أنتما إلا عبيدٌ لأبي، فتركه النبي ولم يجادله في ذلك لأنه فاقد للوعي.
وكان عمر بن الخطاب يرى أثر الخمر في الصحابة واقتتالَهم في بعض الأحيان بسببها، وكان يدعو ويقول: اللهم بيِّن لنا في الخمر بياناً شافياً، إنها قصص غريبة تلك التي وردت في ذلك، والشاهد عندنا أن الله تعالى أرجأ تحريم الخمر، ولم يبدأ بها، ليربي بصغار العلم قبل كباره.
إنها قوله عز وجل {وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ}، الربانية منزلة إيمانية، مستوى رفيع من الإيمان، يأتي بالتربية، بالواحدَة تلو الأخرى، ربنا عز وجل كان يعلم أن العربَ كانت أُمَّة خمرٍ وغناء حتى جاءهم الإسلام، وحينما يضعف فيهم الدين يرجعون إلى أصلهم كما هم الآن، أمة غناء وخمر مع الأسف، هذه العادة كانت منغرزة في الدم العربي، صعبٌ عليهم أن يتركوا الخمر، فكان الناس آنئذ يشربونها في فرحهم ويشربونها في تَرحِهم، يشربونها في الانتصار ويشربونها في الانهزام، في المآثم وفي الأعراس، فكان من الصعب أن تحرم عليهم في لحظة واحدة، وإلا فلن يسلم أحد.
قد يقول أحدنا إن الخمر حرام عليهم، ونقول: إن الله غفور رحيم، رحمن رحيم، لا يريد أن يدخلهم جهنم إلا من أبى، الله تعالى جعل لهم الأسباب حتى ينجيهم من النار، فهيأ لهم أسباب التوبة من الخمر، وبدأ يضيق على الذين أسلموا لحظات الخمر.
فبدأ بالآية التي وردت في سورة البقرة وليس فيها تحريم الخمر {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا}، ولم يرد نص التحريم، ولكن الآية فيها توجيه دون تصريح، لأنه في تلك اللحظة ليست لديهم القدرة ليتركوها، فالخمر تؤثر على أعصاب الإنسان ودمه، يصعب عليه تركها، والله عز وجل كان يعالجهم من الخمر، يربيهم بصغار العلم قبل كباره.
ثم نزل قوله عز وجل: {لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ}، إذن يمكنهم أن يشربوا الخمر ولكن في غير وقت الصلاة، لم يقل ذلك بصريح العبارة، ولكن بمفهوم المخالفة، {لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى}، فإذا شربها أحدهم بعد الفجر فإنه لا يضمن نفسه أن يفيق عند الظهر، ومن شربها من بعد الظهر لا يضمن نفسه أن يفيق عند العصر، ومن شربها من بعد العصر لا يضمن نفسه أن يفيق عند المغرب، ومن شربها من بعد المغرب لا يضمن نفسه أن يفيق عند العشاء، ومن شربها بعد العشاء فعنده ليل طويل، فكان بعضهم يشربها بعد صلاة العشاء، ولكن السكران لا يمكنه التحكم في نفسه فيبقى مسترسلا في شربها حتى الصباح.
وهذا الذي حصل لبعضهم فاقتتلوا في صلاة الصبح في المسجد، فكادوا يقتتلون، فنزل قوله عز وجل: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْانْصَابُ وَالْازْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ}، والنهي هنا للتحريم {لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ، إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ…} الآية، إنها التربية، ربي عز وجل يربي عباده بالتدرج، لو أمرهم من البداية باجتنابها، لكان عدد المسلمين قليلا جدا.
وقد ورد في كتب الأدب قصة عجيبة عن الشاعر الأعشى المشهور، صاحب المعلقة بالجاهلية، علم بأن الإسلام بدأ ينتشر، اعترضه أبو سفيان ولم يكن قد أسلم بعد، فقال له إلى أين تقصد يا أبا بصير؟ قال: أقصد صاحبكم هذا، فقال له إنه يُحرِّمُ عليك الزنا، قال: أما وإني شيخ كبير فلا حاجة لي به، قيل له إنه سيُحرِّم عليك الخمر، قال: أمَّا هذه فأواه، إن لي قدحا سأرجع إليه، وأعطاه كفار قريش مائة ناقة ورجع بدون إسلام وفي الطريق مات، وهلك مع الأسف بدون إسلام، فلم تكن الخمر إذن من السهولة أن يتركها العرب، فكان يربيهم الله عز وجل بصغار العلم قبل كباره، {وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ الْكِتَابَ}.

 العلم والقدرة على ترك الحرام

يقول شيوخنا أن دراسة المعارف والحقائق القرآنية، ليست هي معرفة الحلال والحرام وحسب، بل تتم بمعرفة كيفية اكتساب القدرة على ترك الحرام، والقدرة على فعل الواجبات والمندوبات.
فالتفسير ليس كافياً، بل لا بد من مدارسة، لابد من تحصيل الربانية، الإنسان يرى أن الخمر حرام، وجب أن يتعلم كيف يخَافُ منها، كيف يخاف من الحرام، والزِّنى حرام، علّم نفسك، واكتسب صفة العفة من آية تحريم الزنا، والقذف حرام، تعلم كيف تحصن لسانك من القول بدون علم عن الناس...
وهكذا تكتسب من القرآن صفات لك، حينما سُئلت السيدة عائشة رضي الله عنها عن خلق النبي، قالت: «كان خلقه القرآن»، فالربانية المطلوبة هي التَّخَلُّق بأخلاق القرآن. وأخلاق القرآن، ليست بقراءته صباحا وعشية، لا يكفي.
ولكن تعلم كيف تكتسب تلك الصفة {وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ}، صفات الربانية العالية الرفيعة {بِمَا كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ}، تحقيق الحقائق القرآنية في النفس كأنك تمسك الحقائق القرآنية وتطبعها على قلبك، {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا}.
منزلة العلم إذن ليست منزلة حفظ النصوص الكثيرة ومعرفة الأحكام، منزلة العِلم أخلاق، أخلاق علمية، منزلة العلم خُلُق قرآني، وخُلُق نبوي، هذا ما يتعلق بالقرآن، وبالسنة مثله أيضاً.
يقول شيخنا مشكل كبير يقع اليوم في هذا الزمان في التعاطي لأحاديث النبي، كثير من المؤمنين يتعاملون مع كتب السنة وهو شيء حسن، لكن لا يتخلقون للأسف بأخلاق السنة.
فما هي السُّنَّة؟ السنة ليست النصوص، وإنما السنة ما يترتب عن النصوص، السنة مقتضيات تلك النصوص، ماذا تعطينا النصوص الحديثية حينما عرّفوا السنة وقالوا هي قول النبي وفعله وتقريره؟ فالمقصود بعد ذلك من كل ذلك، هو التخلق بأخلاق هذه المراتب السنية.
ما يُسمى بشمائل النبي ، علم الشمائل، أهل السنة تكلموا في علوم السنة، فتحدثوا عن فقه السنة، أحاديث الأحكام، وتحدثوا عن علم الرجال التي تتعلق بالأسانيد، فالذين رووا الأحاديث، وتحدثوا عن علم المصطلح الصحيح والضعيف والحسن إلخ...
وعن علم الجرح والتعديل، وعلم الطبقات، تحدثوا عن علوم كثيرة في السنة، روايةً ودرايةً، ولكن أيضاً تحدثوا عن علم الشمائل، وهذا نغفل عليه وهو العلم الجامع للسنة، الشمائل هي صفات النبي، صفاته الخِلقية والخُلقية، وإنما قُصد التصنيف في الشمائل من أجل التحلي بأخلاق رسول الله، حتى يتعلم الإنسان من رسول الله كيف كانت علاقته مع ربه الذي خلقه، علاقته بنفسه، علاقته بأسرته، علاقته بأصحابه، علاقته بالناس أجمعين، كيف كان يتعامل هذه المعاملات كلها، تلك هي السنة.
السنة في اللغة العربية هي الطريق التي مرّ منها شخص ما وسلكَّها، عندما تسير في صحراء خالية لا تعرف الشرق من الغرب، تتيه حيث لا توجد علامات تبين لك من أين تمرّ، ماذا تعمل ساعتها؟ تبحث عن أثر لطريق مَرَّ منها الناس، هذه تُسمى في اللغة سنة، مر فيها الناس والبهائم حتى تركوا الأثر، أصبحت طريقا.
فالإسلام واسع وعريض إذا دختله دون دليل، فلن تعرف من أين تدخل فيه، تحتاج إلى من يدلك، فالنبي سنّ لنا السنة، يعني أرانا تلك الطريقة التي نصل بها وعبرها إلى ربنا، {وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ}، وكم من إنسان ذهب بلا سُنّة فوجد نفسه خارج الإسلام، قتلته البدع وأهلكته من بدعة إضافية إلى حقيقية، إلى إلحاد في بعض الأحيان، والقول بغرائب وبعجائب مما لم ينزل الله به من سلطان بسبب البعد عن السنة.
ولذلك قيل السنة ليست هي حفظ النصوص، السنة تَخَلُّق بتلك النصوص، المُتّبِع للسنة، متبع لخلق فيه شيء من عبادة رسول الله، فيه شيء من برّ رسول الله، فيه شيء من حِلم رسول الله، فيه شيء من الرغبة الشديدة في التمسك بكتاب الله وشُكرِ الله على نهج رسول الله، هذا هو السُنِّيٌ، والمتمسك بالسنة، والمُتَّبِعٌ لها، أما الحافظ للنصوص هكذا، ويُلقي بها كاللقى، فهذا ينقصه العِلم بالسنة، رغم حفظه لكثير من الأحاديث ينقصه العلم بالسنة، وليس هو على السنة.

العِلم ومنزلة الربانية

 يقول شيخنا رحمة الله عليه أن لمنزلة العلم منزلة ربانية، فعندما ترى من له علم بالكتاب أو السنة، ولكن لا يتحلى بالرَبَّانية، فاعلم أنه لم يسلك الطريق الحقيقي للعلم، {وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} أو {تَعَلَّمُونَ الْكِتَابَ}، أو {تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ}، العالم بالله، أو العارف بالله هو الذي سلك بعلمه إلى الله عز وجل، {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا}، لأن زيادة العِلم تكون بالإيمان.
والعلم الذي لا يزيد صاحبه إيماناً ليس بعلم في التعريف الرباني للعلم، من هنا أصدر العلماء قاعدة عجيبة، قالوا فيها: (كل علم ليس تحته عمل فهو باطل)، أي في الشرع أي علم لا يزيدك إيمانا وعملا فهو باطل، لا حاجة لك بِه، وهذا منهج قرآني ونبوي.
فحينما سأل الناس النبي عن الروح، ماذا يعملون بها؟ -علم لا ينفع-، لماذا؟ لأنه يستحيل على العقل البشري تحصيل الفائدة ويستحيل عليه الإحاطة والإدراك، ولذلك فهذا مما لا ينبغي للإنسان أن يسأل عنه.
فكان أن أجاب الله عز وجل عنه بقوله: {قُلِ الرُّوحُ مِنْ اَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا}، وأغلق الباب في وجه كل طالب علم ليس وراءه عمل، لأنه يضيع عمره كاملا وهو يبحث في ذلك المجال ولا يصل لشيء، فيبقى دون عمل ودون إيمان، وقوله عز وجل: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا، فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا، إِلَى رَبِّكَ مُنْتَهَاهَا}.
لا يمكن نهائيا للإنسان أن يعمل في طريق الإيمان وهو يبحث عن الساعة، لكن الأهم أنه سيستفيد من أماراتها كما في حديث جبريل لما سأله عن الساعة قال: ما المسؤول عنها بأعلم من السائل، -أنا وإيَّاكْ مْتساويين في الجهل بها- « … قال: فأخبرني عن أماراتها، قال: أن تلد الأمة ربتها وأن ترى الحفاة العراة رعاء الشاه يتطاولون في البنيان…» أعطاه الأمارات، وهذه الأمارات مُشَجِّعات على العمل.
الإنسان عندما يرى الدنيا تتقلب وتتبدل، عليه بالمساجد وبالذكر، تلك نُذُر من الله أن قد اقترب موعدها، فالمؤمن الكيس الفطن من يرى أن الحقائق التي تقع إنما هو الربُّ عزّ وجلّ يتصرف في ملكه.
لا يظن أحد أن دولة ما تملك قراراتها، أو أن حكومة فعلت شيئا بقدرتها وذكائها، ولكن الله عز وجل يُقدِّر مقاديره في الكون، ويتصرف فيه، ويهيئ له أسباب الحق وأسباب الباطل على أيدي عباده فتنة وابتلاء {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً}.
المؤمن إذن هو من يرى الوجود على أنه خيوط، حركاته، سكناته، أحياؤُه، نباته، جماداته، خيوط كلها تنتهي إلى يد الرحمن رب الكون سبحانه وتعالى.
إذن العِلم المفيد هو الذي يَسلُك بك إلى الله عز وجل وتكتسب به الربانية، الإنتساب إلى الرب سبحانه وتعالى، يعني أن تكون عبدا لله، مرتبة عُليا من مراتب العبادة هي الربانية، للذي يُربي بصغار العِلم قبل كباره، يكتسب خُلُق كل واحدة ثم ينتقل للأخرى، يكتسب خُلُق الصغيرة كي يُحصِّل القدرة ويصعد درجة.
إنها سلوكات، ومهارات وقُدرات، الطفل الصغير الذي مثلنا به سابقا، لم تكن لديه معرفة لصعود درجة، ولكنه اكتسبها، وحينما اكتسبها صار يتعلم اكتساب الدرجة الثانية، ولا يمكن أن يفكر في الدرجة الثالثة حتى يُحَصِّل معرفةَ صعود الدرجة الثانية، يُربي بصغار العِلْم قبل كباره كما هو منهج النسخ في القرآن

علم الآخرة هو غاية العلم

يقول شيخنا أن العلم الذي نتحدث عنه هو علم الإيمان الذي يملأ القلب والوجدان بِحُبِّ الله عز وجل، ويُعلِّقُه بالمساجد، «ورجل قلبه مُعلّق بالمساجد»، ويملأه بحبّ الله عز وجل وبالرغبة في الدار الآخرة، وهذه درجة أخرى من العِلم الرباني الذي يُعطي هذه المنزلة.
منزلة الإيمان الربانية، إنه عِلم الآخرة، كما في الحديث الصحيح قال رسول الله  : «إن الله يبغض كل جعظري جواظ، صخاب بالأسواق، جيفة بالليل، حمار بالنهار، عالم بالدنيا، جاهل بالآخرة»(رواه البيهقي في السنن وابن حبان في صحيحه.. وقال عنه الألباني في صحيح الجامع: صحيح)
الإنسان الخبيث، الذي صوته يعمر الدنيا بالآثام، وأخلاقه خشنة، قال فيه الرسول عليه الصلاة والسلام: عالِمٍ بالدنيا، جاهِلٍ بالآخرة، فعالِم الدنيا يعرف أمور الدنيا، لا يخدعه الناس وهو يخدع الناس، هذا عالِم بالدنيا، جاهل بالآخرة، لأن له الرّغبة في الخداع والغش، همه الدنيا ولا يلتفت للآخرة، فهناك العالم بالآخرة وهناك الجاهل بالآخرة،
إذن قد يكون الإنسانُ عالماً بمعنى حافظاً لكثير من النصوص وكثير من الفقه، ولكنه جاهل بالآخرة، فإذن ما العلم الذي يوصل إلى الآخرة؟ إنه عِلم الربانية، الذي يُربِّي بصغار العِلم قبل كباره، {وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ}، فعِلم الآخرة إذن هو غاية العلم.
فأي شيء يريد الإنسان أن يتعلمه يجب أن يسأل: ما حظّه من الآخرة؟ هذه الصنعة، هذه الحرفة، هذا العلم، هذه الخطوة، هذا الشغل، ما موقعه من الآخرة؟ طبعا لا يُعرف هذا إلا بعلم الكتاب، إلا بمعرفة الحلال والحرام، ومعرفة الحلال والحرام عندها حقائق، حقائقها هي هذه، تسأل عن وضعها في الآخرة.
والمؤمن هو الذي يَحمِلُ همّ الآخرة، ومن جعل همَّه همّاً واحداً، أي همّ الآخرة، كفاه الله هموم الدنيا والآخرة، عن عبد الله بن مسعود قال: سمعت نبيكم يقول: «من جعل الهموم هماً واحداً، هم آخرته، كفاه الله هم دنياه، ومن تشعبت به الهموم في أحوال الدنيا لم يبال الله في أي أوديتها هلك « (رواه ابن ماجه وهو صحيح) ، كفاه الله هم دنياه معناه أن الإنسان لا يتصرف تصرفاً دنيوياً إلا على وِزان الآخرة، وقواعد اليوم الآخر على هذا الوِزان.

 خاتمة 

 يقول شيخنا رحمة الله عليه أن العلم هو العلم بحقائق الدين، إذن وعلى هذا المعنى قال الله عز وجل {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ}، وإنما أداة حصر، بمعنى أنه من يخاف الله حقيقة من الناس هم العلماء، وبعض الناس يَستشكِل هذا، يقُول: هناك كثير من العلماء ولكن لا نرى فِيهم خوف الله؛ العلماء هنا هم العلماء بالله، هم العلماء بحقائق الدين لا برسومه وأشباحه، العلماء بالله، هم العلماء بالآخرة.
عندما أنكر الكفار ما أنكروا، واستهزؤوا بالرّسل، وفعلوا ما فعلوا، وتبعهم المنافقون في ذلك، قال لهم الله عز وجل {ذَلِكَ مَبْلَغهُم مِنَ الْعِلْمِ}، وهل كفّار هذا الزّمان ليسوا بعلماء؟ بل كثير منهم علماء، ولكن ليسوا علماء بالله، ولا هم علماء باليوم الآخِر.
كثير منهم علماء بيولوجيون وجيولوجيون، ولكن ما قادهم ذلك إلى الله عز وجل بل ضلوا به ضلالاً بعيداً، فلا ينطبق عليهم قول الله عز وجل: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ}، لأنهم ليسوا بعلماء بالله.
الاصطلاح في الآية خاصّ بالعلماء بالله الذين امتطوا صهوة العلم سيراً إلى الله عز وجل، ويمكن للإنسان أن يكون من العلماء بهذا المعنى الذي في الآية، بآية واحدة {بلغوا عني ولو آية}، عندك آية من كتاب الله، يمكن أن تكون من العلماء الذين يخشون الله بتلك الآية.
مراراً قال الصحابة عن سور وعن آيات قليلة لو عمل الناس بهذه الآية أو بهذه السورة لكفتهم، كفتهم في العِلم بالله، كما قالوا في سورة {وَالْعَصْرِ، إِنَّ الاِنْسَانَ لَفِي خُسْر، إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ}، آية واحدة تعمل بِهَا عمرك، توصلك إلى الخشية.
تَدَبَّرْ ولو آية من القرآن، تدبر ما استطعت من كتاب الله عز وجل، {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ}، كل عالم إلا وهو ناقص في شيء، فكمال العلم إنما هو لله، {وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}، أي أنتم جميعا يابني آدم.
فإذن يسير العلمِ يُبلِّغُك مبلَغَك إن كنتَ من العاملين، إن كنتَ من المتربِّين بصغار العلم قبل كباره تفز بإذن الله عز وجل، وإلا ولو حَفظْتَ ما حَفِظتَ فسيُقال لك {ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ}، حتى أنت، ولو كنتَ من الحفَّاظ، لكن حفاظ بغير عمل، أو بغير تَدَبُّر ما تَحفَظ فسيقال لك: {ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ}.
أما العلم الراقي العالي الذي يُبَلِّغُه الربّ عز وجل فإنما هو {وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ}، مما يُفيدُ في التّخلُّق بأخلاق القرآن الكريم، كما قيل عن رسول الله : «كان خلقه القرآن» ويفيد في اكتساب صفات النبوة من الشمائل المحمدية.
فاللهم اجعلنا من المتقين، اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه واجعلنا لك من الشاكرين، اللهم خلِّقنا بخُلُق القرآن، اللهم ارزقنا أخلاق النبوة، اللهم ارزقنا أخلاق رسول الله عليه الصلاة والسلام، اللهم اجعلنا على أثره، اللهم لا تزغ طريقنا عنه يا ربنا يا أكرم مسؤول ويا خير مأمول.
وللإستماع هذا هو فيديو المحاضرة المفرغة فوق، وهو من ضمن سلسلة محاضرات ألقيت بالجامع الأعظم بمكناس وهي مادة مسجلة على شريط سمعي.


author-img
☆▪ᵖʰᶤˡᵒˢᵒᵖʰᶤᵃ▪☆

تعليقات

ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق
    google-playkhamsatmostaqltradent