recent
أحدث المجالس

منزلة "الزهد"، منزلة من منازل الإيمان Stations of Faith : A-zzohd(3)

  منزلة الزهد من منازل الإيمان وهي موضوعنا اليوم ، السلام عليك زائرنا مجالس الإخوة Majalis-Al-ikhwa يزيد جمالها بمتابعتك لها وبعد أن كنت معها بالجزء التاني"لمنزلة الزهد" سيكون مجلسنا هذا مع الجزء الأخير"لمنزلة الزهدالمصاحبة للعبد السالك إلى الله.

<script> var meta=document.createElement("meta");meta.setAttribute("content", "الزهد عن الدنيا,الزهد,منزلة الزهد,منازل,الزهد من الإيمان,الزهد رضا,الزهد عن المسكوت عنه,الزهد,سلسلة منازل الإيمان,منازل الايمان,منازل الإيمان"),meta.name="keywords",document.getElementsByTagName("head")[0].appendChild(meta); </script>
منزلة الزهد 3  

الزهد فيما لانملك من الطيبات

يقول شيخنا الأنصاري رحمة الله عليه أن الزهد أيضا يمكن أن يحصل فيما لم تستطع الوصول إليه ، ولكن بالمعنى النفسي الوجداني ، معنى ذلك أن أمرا من المباح المصرَّح بإباحته لا تستطيع الوصول إليه فأنت مطالب أن تزهد فيه.
لكن أن تزهد فيه لا بأن تقول أزهد فيه ولا أريده ، فأنت لم تتوصل إليه ولا تستطيعه ، فالمطلوب أن تزهد فيه وجدانيا وألا يتعلق قلبك به إتباعا لقوله عز وجل: (ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه ورزق ربك خير وأبقى
فلا تتأسى نفسك إن فقدت كثيرا من المباحات ، ولا ينبغي أن تتحسر أن لم تجد من رزق الله ما يُوسَّع عليك به ، فلتعلم إذا أيها السالك إلى الله أن تزهد أيضاً فيما لم تجد من المباحات والطيبات حتى تكون راضيا بما قسَمَ الله لك ، وزهدك حينها سيكون دليل الرضى.
والإنسان في وموضوع طلب الرزق بين تصورين: إيجابي وسلبي ، والرزق الذي يجب على المؤمن أن يطلبه هو الرزق الذي يقوده إلى الطاعة ، يقوده إلى عبادة الله فيكون متاعا له في الدنيا وحسنات له في الآخرة ، فهو رزق يبقى ولا ينقطع.
أما رزق أولئك فهو فانٍ ، متاع الحياة الدنيا هو زهرة الحياة الدنيا ، والتعبير بالزهرة له دلالة الفناء ، وأقل النباتات عمراً هي الزهرة ، والوردة لا تكاد تتفتح وتتبدى حتى تتساقط أوراقها بعد ذلك ، ولذلك قال عز وجل: {زهرة الحياة الدنيا} تلك الأموال الطائلة التي تمد إليها عينيك وتتشوف إليها وتتشوق هي كالزهرة، مثيرة بألوانها ورائحتها، ولكن عمرها قليل قليل فانٍ، إنه زهرة الحياة الدنيا.
أما الرزق الذي تتمتع به أنت الآن، تأكله وتعيش به فإن الله يذخره لك وأنت تتمتع به صدقات وحسنات في الآخرة، فتعيش به مرتين تعيش به في الدنيا وتعيش به إن شاء الله تعالى في الآخرة.
ويكون الرجل إذ يطعم زوجته متصدقا كما في الحديث الصحيح، وإذ يطعم أبناءه متصدقا، وإذ يطعم من يطعم بعد ذلك متصدقا ما دام رزقه طيبا حلالا، فلا شيء من الرزق الطيب الحلال لا يؤجر عليه العبد...
كذلك إن أطعم زوجته اللقمة الطيبة الحلال يؤجر على ذلك، إن أطعم أطفاله الصغار اللقمة الطيبة الحلال يؤجر على ذلك، وإن كساهم يؤجر على ذلك، كل حركاته الاقتصادية المالية في الدنيا ما دامت مصادرها من حلال وتُصرف في الحلال، فهي قصور شاهقات في الجنة تأكلونها هنا وتبنى لكم هناك.
ولذلك قال عز وجل : {ورزق ربك خير وأبقى}، نعم هو قد يكون قليلا ولكنه مورِّث للسعادة في القلب وللسكينة في النفس والاستقرار في الأسرة، فالأسرة تستقر وترتاح إلى هذا القليل ثم بعد ذلك هو خير بهذا المعنى وأبقى لأنه يتضاعف أضعافا كثيرة عند الله في الآخرة، فالرزق  الحلال هو الوحيد الذي يجلب السعادة وإن كان قليلا لأنه يتضاعف أضعافا كثيرة عند الله في الآخرة.
فالمؤمن إذن إذ يرى هذا، يشتغل بما هو مفيد، فإذا حصَّل الكفاية من رزقه، ورزقه الله عز وجل الكفاف والعفاف والغنى عن الناس فإنه يزهد في ما في أيدي الناس فيحبه الناس قال النبي  : «ازهد في الدنيا يحبك الله وازهد فيما عند الناس يحبك الناس»(حديث حسن رواه ابن ماجة وغيره بأسانيد صحيحة)، بهذا الشكل يكون حينئذ قد ضمن لنفسه السكينة النفسية،

فتنة المال مشغلة عن الله  

يقول شيخنا، لا تقود كثرة المال الكاثرة إلا إلى الفتن، حيث يفتتن الناس عن الخلوص لعبادة الله عز وجل، لأن أموالهم شغلتهم بحيث لا يجدون وقتا لتذكر ربهم، وهذه مصيبة كبرى، مالٌ مثل هذا شَرُّه أكثر من نفعه وهو أشبه ما يكون بما قال الله عز وجل في الخمر: {قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما}(البقرة 217).
كذلك المال الذي يفتن عن عبادة الله ويشغلك عن أن تتذكر ربك إذ يناديك أن حي على الصلاة حي على الفلاح. فلا تجد وقتا للاستجابة، ما أنت فيه إذن يسمى فتنة {لنفتنهم فيه} ، فهذا المال يُطغي ويجعل الإنسان خائفا من ذهابه وضياعه ويجد نفسه مقيَّدا بماله، والمال إنما خُلِق ليسخره الإنسانُ لمصالحه، ولم يُخلق ليستعبد الإنسانَ ويضيع عليه مصالحه.
فهما أمران متناقضان: هناك من يُسَيِّرُ المالَ ويديره وهناك من يسيره المالُ، فالذي لا يستطيع أن يتحكم في وقته ولا أن يتفرغ أوقات العبادة لعبادة ربه، ولا أن يرى حتى أطفاله وأبناءه ويسلم عليهم ويكلمهم ويسكن إليهم كما هو مطلوب منه، -الذي لا يجد وقتا لهذا بسبب انشغاله بالمال- هذا موظَّف عند المالِ وليس المالُ هو الموظف عنده، ولو كان هو مدير الشركة، ولو كان هو رب المعمل فالمعمل سيده حينئذ، وهو ربه، وهو مسيره ومديره، وما ذلك الإنسان إلا عبد لدى مَعمَلِهِ أو لدى ماله أو لدى ما فتنه عن ذكر الله عز وجل وعن الصلاة.

كسب المال والتصرف فيه

وبالتالي فالإنسان وهو أمام فتنة المال يجاهد في كيفية التخلص منها، هناك بعض المعاني للزهد والــولاية التي تمنـع العبد مـن مد يده لغير الله الرزاق، فالمال مال الله، والولي من لا يمد يديه إلا لله، فإذا كان طلبك للرزق في حركتك الدنيوية قائما على هذا فكن على يقين أن هذا رزق ربك، وقد نُسِب إلى الربّ عز وجل ورزق ربك ، حينما يأتي منه سبحانه لا يكون إلا خيرا ولا يكون إلا باقيا، لأن الله يعطي الخير ويعطي ما يبقى ورزق ربك خير وأبقى.
الناس يملكون المال، وهو في الأصل من الله ولكن لنفتنهم فيه، وأنت تملك رزق ربك فأنت إذن موصول بالله متصل به عز وجل أعطاك فأخذت، والله وصلك بهذا الرزق فأنت محظوظ، أنت ولي من أولياء الله، لأن الذي يُرزق رزق ربه لا يكون إلا وليا.
والولي لا يعني ذلك النادر – الذي كما يقال: (لا يجود الزمان بمثله)-، ولكن الأولياء في الدنيا كثير، لكنهم مغمورون، فتش عنهم في أولئك الذين أصيبوا بالحاجة وصبروا وسلكوا إلى الله، فما مدوا أعينهم إلى حرام، وما مدوا أعينهم إلى ما بني بالحرام، وإنما مدوا أعينهم إلى السماء إلى الله الواحد القهار، يسألونه في الصباح ويسألونه في المساء، يعبدونه بالدعاء ويذكرونه بالدعاء، يستفيقون على الدعاء ويسيرون على الدعاء وينامون على الدعاء، مثل هذا يكون زاهدا حقا ويصل إلى الله حقا.
فكل مخلوق مرزوق مادام أنه يسأل سبحانه وتعالى وحده دون سواه، فليكن على يقين أنه سيجيبه وأنه سيجعله من خاصته لأنه لم يعدد المصادر، فمن وحد المصدر اختصه الله به.
حينما يفتنك مال الحياة الدنيا، وتظن أن رزقك عند فلان أو عند فلان، ورزقك المؤسسة الفلانية وبالشكل الفلاني وبالطريقة الفلانية، فتجعلها مصادر للرزق، حينئذ لا يأتيك رزق ربك.
رزق ربك هو ما يأتيك برضى ربك، عن الطريق التي يرضاها ربك سبحانه وتعالى، فيكون حلالا طيبا. والذي يأتيك لأنك وحدت الوِجهة والمصدر فسألت الله وحده، وأيقنت بأن هذه الأسباب وأن فلانا وفلانا والمؤسسات جميعا إن هي إلا أشكال يوظفها الله ويسخرها لك تسخير منطق، تسخيرا يحكم عقيدة المؤمن.
فليس فلان هو الذي يرزقك، ولا المؤسسة الفلانية ولا التجارة الفلانية التي ترزقك، ولكنها كلها وسائل سخرها الله وأخضعها كما يستسخر الإنسان حماره ليحمل عليه الأثقال، فتلك وسائل سخرها الله تحمل إليك رزقك رغم أنفها.
ولذلك فإنك إن صدقت الله حقا فسيطرق الرزق بابك، وفي الحديث الصحيح «إن الرزقَ ليطلب العبدَ كما يطلبه الأجلُ» وفي رواية: «أكثر مما يطلبه أجله»، فالآجال هي التي تبحث عن صاحبها وتأتيه إلى المكان المعلوم في الوقت المعلوم، تتبع العبد حتى تصل إليه، ورزقك أيها الإنسان أشد طلبا لك من أجلك.
فإن كنت موقنا بهذا فاعلم بأن لا أحد من المخلوقين يرزق أحداً أبداً، كل مخلوق محتاج إلى رزق، فكيف بمن هو اسم مفعول؟ مرزوق يتحول إلى من هو اسم فاعل رازق!!، أبداً، مادام المفعول مفعولا فهو كذلك إلى يوم القيامة.
كل خلق الله مخلوق، ولا خالق من دون الله، وإنما الخالق هو الله وحده، وكل مخلوق مرزوق، {وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها} (هود: 6)، وكل مخلوق مرزوق، ولا يمكن أبداً للمرزوق أن يَرزُقَ غيره أبدا، أبداً.
ومن لا يملك الشيء لا يملك أن يتصرف فيه، فحتى المال الذي يصل إلى الإنسان ليس له، هو لله فلا يستطيع أن يتصرف فيه حقيقةً وإنما تصرفه فيه تصرف مجازي، يتصرف بإذن الله، لأن إرادة الله من ورائه تستسخره، إما لينال أجراً فيكون من باب ورزق ربك خير وأبقى ، وإما لينال وزرا فيكون من باب لنفتنهم فيه.
فإما أن تتصرف في المال من باب الفتنة فذلك الوزر عينه نسأل الله العافية، وإما أن تتصرف فيه من باب المنة، بأن تشعر أن الله امتن به عليك، وأن لا يد لك فيه، فهذا من باب ورزق ربك الذي أُسند فيه الضمير بالإضافة إلى الله ورزق ربك فيكون لك خيرا ويكون لك أبقى.

فمن هو الزاهد حقا ؟

يقول شيخنا المؤمن الذي يدير المال هو الذي يستطيع أن يقول للمال حينما يقول الرب حي على الصلاة: قف، ويُغلق باب المال لأنه طُلب منه أن يفتح باب الله ليستقبل ربه ويستقبله ربه، الإنسان الذي يستطيع أن يتصرف هكذا هو الزاهد حقا، ولو كان يملك الملايير من المال فهو زاهد.
والزهد ليس هو التعفف، إنما الزهد أن لا يتعلق قلبك بما يفتنك عن ذكر الله وعن إقام الصلاة، وأن تدخل في تناول الطيبات من الرزق والحلال متعبِّدا بذلك لله، إذ تكون خادما حينئذ للضروريات الخمس التي جاء بها الإسلام وعلى رأسها الدين أولا، ثم ما تبعها من النفس والعقل والنسل والمال.
فكان المال خادما لكل ما سبق إن كان الإنسان يقبض على ميزان الشريعة، متوازنا في سيره إلى الله عز وجل، ويعلم أن دخوله في هذه الحياة الدنيا إنما هو لتسخيرها لممارسة الخلافة العمرانية الكونية لله الواحد القهار، التي حُمِّلها يوم حُمّلها أمانة يسير بها إلى الله عز وجل قويا أمينا.
فقد قال عز وحل: {إنا عرضنا الأمانة على السماوات والارض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الانسان إنه كان ظلوما جهولا} (الأحزاب 72) ، ظلوما لنفسه إذ تحمل ما لا يطيق، جهولا بقيمة الأمانة وخطرها، ولكنه إن صدق الله حقا وصدقا أعانه عليها فحملها، وإن كان لا يطيقها يسرها الله تعالى له تيسيرا.
وقد يُسرت الأمانة للأنبياء والمرسلين وللصالحين عبر التاريخ من هذه الأمة وفي كل زمان وفي كل مكان، فجُوزي الإنسان عن صبره وصدقه وإخلاصه الجزاء الأوفى ولا يكون الجزاء الأوفى إلا رضى الرحمن الملك المنان سبحانه وتعالى، وإنما رضاه أن يسكن العبد حيث يُسكنه الرضى الرباني وهو الجنة، أعلى مقام من الكون وأشرف مكان من الوجود.

عين العابد المفكر 

يقول شيخنا : الحياة سلوك إلى الله جل وعلا، ومن أخذ يسلك إلى ربه لا بد له بأن يجعل هذه الآية نوراً يسلك به طريق الحياة الحياة: {ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه ورزق ربك خير وأبقى} (طه 129)، راحة وسكينة تنبعث في النفس، وجمال وهدوء يطبع الإحساس حينما يقرأ الإنسان هذه الآية بقلبه ويرى حينئذ ما يرى حواليه من الأعمال والأموال بعين العابد المفكر في المشروع كيف يخدم به ربه؟، كيف يخدم به دينه؟، لا كيف يوفر وكيف يُكثر، وإن المكثرين في الدنيا هم المقلون يوم القيامة، وهذه مشكلتنا فعلا.
لأننا حينما نفكر في المال نفكر كيف نُكثِر، وإنما المؤمن الحق هو الذي يفكر في المال كيف يسخره؟ ما الذي دعاك أن تفكر في المال؟ إنها الحاجة والفقر، تفكر في المال حينئذ، لكن ليس لأنك ترى فلانا وفلانا له وعنده، وأنت ليس لك ولا عندك، وإنما خوفا من الفقر الذي يُستعاذ بالله منه، وكان من دعاء النبي كما روى النسائي في صحيحه: «اللهم إني أعوذ بك من الكفر ومن الفقر…»، لأنهما صنوان وأخوان. وقد يؤدي أحدهما إلى الآخر والعياذ بالله.
لكن الإنسان عليه أن يفكر بعد ذلك وقبله في مال الحياة الدنيا كيف يسخره لعبادة الله، لأن الفقر قد يفتن الإنسان عن عبادة الله، والحاجة قد تفتن الإنسان، فالفقر كاد أن يكون كفرا كما قال علي بن أبي طالب.
ولكن مع ذلك فالفقر حتى وهو كذلك ليس عيباً. ومن الصحابة جمهور غفير كان أفقر من الفقراء، وتعلمون أصحاب الصُّفة من صحابة رسول الله فاق عددهم أحيانا السبعين صحابياً كانوا لا يجدون مأوى يأوون إليه من بعد ما هاجروا من مكة إلى المدينة.
بعضهم كان من الرقيق، وبعضهم كان من أهل المال ففقد كل ماله وجاء إلى المدينة لا يملك شيئاً، صحيح أن الأنصار آووا ونصروا ولكن العدد كان كثيراً فبقي منهم جمهور غفير يبيت في المسجد النبوي ويظل فيه، فكان أهل الصُّفة فقراء، وكان النبي يحبهم ويكرمهم. وما كان ذلك عيباً فيهم إطلاقا فهذا إذن لا ينبغي للمؤمن أن يستقذره ولكن يسأل الله المعافاة والنجاة منه.
والفقر أيضا سبب يدفع الفطن الذكي الكيس، -والمؤمن كيس فطن- إلى أن يستثمر طاقة مهمة من الطاقات العبادية التعبدية فيه وهي طاقة الدعاء، لأن الحاجة تلجئ العبد الصالح إلى الله، وإنما يلجأ إلى ربه المحتاج، {أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء}(النمل 64)، -سبحانه وتعالى-.
فالفقير يملك دافعا حقيقيا وواقعيا ووجدانيا أيضا لينخرط في الدعاء لا يفتر، يدعو الله صباح مساء، ويكون صوته حينئذ سلسلة من نور متصلة بالسماء لا تنقطع، وصوته تشهده الملائكة سماعاً، لأن الملائكة تشهد دعاء الصالحين والفقراء والمحتاجين، فيعينون ذلك العبد بالدعاء هم أيضا لله أن يكشف الغم عن فلان وأن يفرج الكرب عن فلان.
ويكون الدعاء حينئذ مخ العبادة كما في رواية وفي رواية أصح «الدعاء هو العبادة»، (هو) التي تفيد التوكيد مع (أل) (العبادة) التي تفيد الاستغراق نتيجة ذلك كله: أن العبادة الحقة أن يكون العبد دائم الدعاء دائم الطلب لله على كل حال لا يفتر…

 الزهد شعور بالسكينة

يقول شيخنا رحمة الله عليه لو أن المؤمن فهم أن الزهد شعور بالسكينة واعتقد هذه العقيدة بقلبه حقا لزهد حق الزهد، فالزهد شعور بالسكينة والراحة إزاء مسألة الرزق.
الزهد ليس ترك الأكل والشرب، ولكن أن تعيش مرتاحا، وألا يصبح الرزق عندك وسواسا، مرضا معقدا، يجعلك تحمل هم قلة الزبناء، وهم الخوف من احتراق التجارة، بحيث لا يطرق بالك إلا الآفات والمصائب.
مثل هكذا شعور صاحبه مريض، ليس عنده يقين بأن الله هو الذي رزقه، ولنفترض وقع ما وقع وخرِبت هذه التجارة، أليس الذي رزقك كل ذلك بقادر على أن يرزقك أضعاف ذلك؟ بلى، إذن هل يمكن أن تشك في الله عز وجل؟ وهل خزائن الله عز وجل محدودة؟ أبدا، لا حد لها. فلو يعتقد المؤمن في الله العقيدة الصحيحة بوجدانه وإحساسه لسلك إلى ربه ذُلُلا –بسهولة- ويعيش الأُنس بالله ومع الله عز وجل.
فما دمت تعتمد على هذا الرب الذي يرزقك ولا يرزقك سواه، والذي يشفيك ولا يشفيك سواه سبحانه، والذي يسندك ويحميك ويحفظك ولا يحفظك سواه، وتسير تحت نوره وبنوره وفي نوره فأنت إذا مضمون العاقبة.
والإنسان عندما يحس أنه مضمون العاقبة يرتاح راحة تامة، فيدير حياته باسم الله، حياته التجارية إن كان تاجرا، الإجتماعية إن كان عنده اهتمام بالمجال الإجتماعي، وظيفيا إن كان موظفا، كل حياته بكل أشكالها مما أنت وكيف أنت، حينما تديرها باسم الله لا تكون إلا على هدى من الله.
وهذا الذي يجعل الإنسان صابرا في طريق الله، ولذلك قال عز وجل: {وامر اهلك بالصلاة واصطبر عليها} (طه: 132)، لأن المؤمن إذا كان يسير بنور الله وفي نور الله، فإن النور يأبى الظلام.
فإذا أوقدت شمعة في البيت المظلم فإنه يضيء بأكمله، فإن كنت تسير بالنور فلا ينبغي أن يكون محيطك من أسرتك مظلما، يجب أن تضيء الموضع، ولذلك قال: وامر اهلك بالصلاة ، ليس وحدك، اسلك إلى الله مع أسرتك ومع محيطك ومع كل مكان وصلت قدمك إليه.
لا ينبغي لمؤمن أن يكون لازماً -كالأفعال اللازمة في النحو والصرف-، بل يجب عليه أن يكون متعديا -بالمعنى النحوي وليس بالمعنى اللغوي-، بمعنى أنه يوصل الخير إلى الآخرين بشكل تلقائي غير متكلف مثل الشمعة، يضيء بطبيعته، لا يستطيع إلا أن يضيء.
والنور رغم أنه واحد فإنه ينتصر بإذن الله، والظلمات كثيرة، ومع ذلك تنهزم بإذن الله الذي يخرجهم من الظلمات إلى النور، الظلمات الكثيرة أسلحتها كثيرة، وأشكالها كثيرة، وطبقاتها كثيرة، ورغم ذلك لا تثبت أمام النور وهو واحد، لأن النور إنما هو الله عز وجل، والنور من أسمائه الحسنى وصفاته العلا، فهو النور ثم هو نور السماوات والأرض، ينير كل شيء بإذنه سبحانه وتعالى

الصلاة باب إلى الملأ الأعلى

الصلاة تفتح باب الرب وأثرها قوي في الثبات والرضى بما قسم الله، فإذا كان المؤمن يتأسى بربه، ويتأدب بأدبه عز وجل، ويستفيد من هذه الأسماء الحسنى التي تنير الكون لمن له عينان وبصيرة يرى بهما نور الرب سبحانه وتعالى في كل مكان، ولا يمكن إلا أن يسلك في مجال، لا يسير فيه لوحده، وتكون له هالة كالقمر عندما يشرق ليلا، ترى له فضاء يحيط به، (تلك الدائرة الكبيرة حول القمر تُسمى الهالة)، فكذلك المؤمن الحق لا ينبغي إلا أن تكون له هالة، وهي المحيط الذي يعيش فيه مع أسرته أولا، مصداقا لقوله عز وجل: {وامر اهلك بالصلاة ، وأنت واصطبر عليها} (طه 132).
وهذا التعبير العجيب في القرآن الكريم -الاصطبار- هو الأصل، فهناك فرق بين (واصبر) و(واصطبر)، لأن اللغة العربية فيها مذاقات، ففي بعض الأحيان عندما تكون القضية مؤكدة يُدخِلون عليها حرفا لزيادة توكيدها.
 فعل «صبر» فيه حرف الصاد وعندما يزيدون له الطاء يصبح «اصطبر»، و»اصطحب»، الأصل فيه «صَحِبَ»، أي: ذهب مع إنسان آخر، ولكن «اصطحب» تعني: أخذه معه فلا يُفلته، فكذلك «صبر» و«ازدرد»، زرد يعني صرط، وازدرد يعني يصرط واحدة تلو أخرى، فالدال التي دخلت دلَّت على التوكيد وعلى الكثرة، وغالبا الدال له علاقة بالزاي والراء، زرد – ازدرد، وزرع – ازدرع، والصاد يأتي مع الطاء، اصطحب واصطبر، فاصطبر عليها يعني خذها بقوة.
قانونك هو صراطك الذي ما دمت متمسكا به فإنك يمكن أن تتبث ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم لأن الأمر صعب، اليوم تنظر وغدا تنظر، عندما تكون ضيفا عند فلان وعند فلان تحتاج إلى صبر على ألا تقول: أريد مثل هذه، فيتعب الإنسان من كثرة المقاومة.
ولذلك قالوا: واصطبر عليها ، كلما حافظت على الصلاة التي هي معراجك إلى الله، التي هي باب الدعاء الذي يسمعه الله عز وجل منك مباشرة وفي الحين، «وإن أحدكم إذا صلى يناجي ربه» (رواه البخاري) يكون العبد في أي لحظة من لحظات عمره أقوى منه في صلاته.
ليس هناك وقت تكون فيه قويا جدا كاللحظة التي تكون فيها داخل الصلاة بالقوة النفسية والوجدانية، لأنك حينما تخضع لله رب الكون، فأنت تخضع إليه وتخضع له ويصبح الكون كله عبدا مثلك.
فأنت تصلي لمن؟ تصلي لله، ومَن هو الله؟ إنه رب الكون، حينما تخضع له تستوي أنت والكون كله، البشر كلهم وضيعهم ورفيعهم، العوالم البشرية وغير البشرية تصبح في وجدانك، فكلها عبد، عباد، عبيد، الصالحون عباد، والطالحون عبيد، وأنت عبد مثلهم، لأنك تعبد ربك وربهم ورب الكون جميعا.
وحينئذ بهذا الوجدان تستطيع أن تتقوى بسند الله لأنك تعبد القوي حقا، وتشعر بأن كل ما سوى الله ضعيف لا قيمة له إلا بمقدار صلته بالله، حتى لا يخطر ببالك في تلك اللحظة أن أحدا يمتلك من القوة إلا بقدر ما هو متصل بالله.
فإن كان متصلاً بالله فهو أخوك، لا يمكن أن يؤذيك أبدا، إن لم ينفعك فإنه لن يؤذيك، وإن كان غير متصل بالله فاعلم أنه ضعيف، {إن كيد الشيطان كان ضعيفا} (النساء 76)، {وإن جندنا لهم الغالبون} (الصافات 173)، وأنك أقوى منهم جميعا ما دمت خاضعاً لربهم جميعاً.
فالصلاة إذن هي سندك وهي مادتك وسلاحك وبابك السري إلى الملأ الأعلى، بابك السري الذي لا يعرفه أحد، وأنت تصلي فإن الجسد يكون أمام الناس، وأما الروح فإنها تعرج إلى بارئها، تخترق الطبقات من الفضاءات والسماوات حتى تتصل بالله و«أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء» رواه مسلم، و«إن أحدكم إذا صلى يناجي ربه» (رواه البخاري).
يقول شيخنا : أدع حينئذ، اطلب الله تعالى فأنت ببابه وبين يديه سبحانه وتعالى ينظر إليك وأنت الآن تعبده كأنك تراه، في تلك اللحظة اطلب، اسأل ما شئت من الدعاء فمثلك الذي نودي بقوله عز وجل: وإذا سألك عبادي عني فإني قريب اجيب دعوة الداعي إذا دعان، فليستجيبوا لي وليومنوا بي لعلهم يرشدون (البقرة 186)، ما عليك إلا أن تستجيب لله إذ يناديك ونداء الله أوقات الصلوات.

خاتمة

وخاتمة الكلام يقول شيخنا رحمة الله عليه أن الزهد أن يغلق العبد السالك كل الأبواب ويفتح باب الرب عز وجل، وذلك حينما يستجيب للنداء ويضرِبُ عن الدنيا التي تفتن، ويعرِض عن زهرة الحياة الدنيا ، ويغَلِّق أبوابها ويفتح حينئذ باباً واحدا هو باب الله ، باب الآخرة، حينها فقط يكون قد زهد حقا ولو كان يملك الملايين أو الملايير.
فهذا الزهد إذن هو الذي يجعل المؤمن يطمئن ولا يصاب بأي شيء من الأدواء النفسية التي خرَّبَت البلاد والعباد، لأن الظواهر التي نراها اليوم، قلق النفس والاضطراب، فالمرأة مريضة بالسكري ومريضة بالأعصاب، والرجل مريض بالسكري ومريض بالأعصاب، إنه الزلزال النفسي الذي يقود الناس إلى طبيب الأمراض العصبية.
كل ذلك يرجع إلى هذا الأصل : عندما مدوا أعينهم لما متعنا به أزواجا منهم ينظر أحدهم إلى ما ليس له فيحبط لأنه لا يملك ما عند غيره، ويريد أن يصل إلى ما ليس عنده، إلى ما لم يبلغه الله إليه، ويقلق ويصاب بالعقد النفسية كونه لم يتمكن مما مد إليه عينيه فيتكسر الوِجدان، وتتحطم الأعصاب، ولا يصلح حينئذ لا للعادة ولا للعبادة كما يقال، لا يصلح للعادة لأنه فاشل إجتماعيا، والعادة هي العوائد الاجتماعية، ولا يصلح للعبادة لأنه لا يملك لا إستقرارا ولا سكينة، وإنما العبد من سكن لربه.
author-img
☆▪ᵖʰᶤˡᵒˢᵒᵖʰᶤᵃ▪☆

تعليقات

ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق
    google-playkhamsatmostaqltradent