القصة الأمازيغية التانية ، السلام عليك زائرنا الكريم مدونتك مجالس الإخوة Majalis-Al-ikhwa يزيد بهاءها بمتابعتك لها وبعد أن كنت معها بقصتنا الأمازيغية الأولى سيكون مجلسنا اليوم مع قصتنا التانية "قدرة قادر" المصاغة ترجمتها باللغة العربية ، فمرحبا بك.
القصص الأمازيغي ويومها المحدد
أصبح للقصص الأمازيغي لدي يومها المنتظر ؛ إنه يوم عطلتي ، يوم السبت الآن له ذكرى مميزة عندي عن باقي أيام الأسبوع .
فها نحن باليوم الموعود ، وأنا أتساءل مع نفسي عن القصة التي سيقصها جدي الليلة؟ إجتمعت الأسرة بعد وجبة العشاء، فقد صار الكل يشاركني الإستماع للقصص.
القصة الأمازيغية : "قدرة قادر"
فأخبرنا جدي أنه يحكى قديما عن إمام شاب بمسجد إحدى القرى الأمازيغية ، بعد أن كان إماما عاديا ، يسكن بغرفة مجاورة للمسجد ويصلي بأهل القرية كغيره من الأئمة .
ويتشارك معهم الحياة كإنسان عادي ، صار إنسان غريب الأطوار معتكفا بالمسجد ، لا يتركه ليل نهار ، ولايقبل أن يفارقه أبدا .
يظل فيه راكعا ، ساجدا ، أو منظفا ومرتبا له ، أو جالسا بأحد أركانه يتلو مصحفه متخشعا ، ولم يعد يخالط أهل البلدة ، وإن خاطبوه أجاب بالحمد لله ، أو سبحان الله ، أو لا إله إلا الله ، أو قد تسمعه يتمتم بأذكاره وهو جالس تحت شجرة بباب المسجد .
وكانوا يتناوبون على طعامه اليومي ، ويلقبونه بقدرة قادر ، لدرجة لم يعد أحد يذكر إسمه الحقيقي والسبب في ذلك التحول ، مصادفة غريبة عاشها غيرت حياته رأسا على عقب .
"قدرة قادر" والتساؤلات
قال جدي أن أهل القرية علموا أنه بفجر أحد أيام الشتاء الشديدة البرودة ، بينما هو بالمسجد يستعد للوضوء وقعت واقعته المهولة .
فقد كان المتعارف عندهم أن أول من يصل المسجد من المصلين ، يقوم بإشعال النار تحت القدر الكبيرة المتواجدة هناك لتسخين ماء الوضوء وتحضيره للمصلين المتوافدين .
يومها كان الإمام أول من وصل ، وبينما هو ينتظر أن يسخن الماء بالقدر ، تساءل مع نفسه عن قدرة الله في خلقه ، وتابع تفكيراته متسائلا مع نفسه عن حدود قدرة الله الذي يقول للشيء كن فيكون ، فهل ياترى سيقدر أن يحوله من رجل ناضج لطفل صغير؟ أو يحوله مثلا من رجل لإمرأة ؟ أو..وقبل متم سؤاله الأخير .
"قدرة قادر" والأقدار
سمعت زوجها يناديها ، وهي تعدل وضعية القدر على النار ، إستغربت حالها ؟! فإذا بزوجها يعاود النداء ويطالبها أن تأتيه بالطعام داخت من وضعها ، ولم تفهم مابها !
جاءته بالأكل وجلست تستمع لما يقول واجمة ، ثم تنبهت أنه أتم إفطاره ، وإذا به يخبرها أنه سيرافق جارهم النجار طيلة اليوم ولن يعود بالظهيرة للغذاء ، خرج الزوج تذكرت القدر ، أسرعت لإزالته من على النار ، فإذا بالماء يتطاير من الغليان .
إلتفت فإذا بجاره وصديقه المقرب إليه واقف يناديه ليتنبه ، إستغرب وانتفض وألقى الإناء الذي بين يديه وكان سيملئه ليتوضأ ، أسرع هاربا لغرفته المجاورة للمسجد ، دخلها وإندس بفراشه يهتز من الحمى من أثر الصدمة .
تبعه الجار متسائلا مالموضوع ؟ أخذ يقص عليه كل ما حدث...طمئنه صديقه أنها مجرد تهيئات وماعليه إلا أن ينسى...مرض على إثر الحادثة مدة من الزمن ، ثم حاول التماسك ومرت الأيام .
"قدرة قادر" واللقاء المرعب
وبعد ثلاثة اشهر أزهرت الأرض ، وبدأ تنقل العباد بالبلاد لكسب الرزق ، وجاء وفد من التجار من بلاد بعيدة ، وكان المتعارف عندهم حينها ، أن الغرباء بعد صلاة العشاء بالمسجد ، تتم إستضافتهم بالتوزيع على أهل البلدة للعشاء والمبيت .
وبنهاية الصلاة لذلك اليوم ، إلتفت الإمام كعادته بجلسته جهتهم يدعو ويسبح تسابيحه الأخيرة ، فإذا بعينه تقع على واحد من التجار الغرباء ، فصعق بمجلسه وحاول أن يتماسك ، إلا أن الآخر أيضا ظل شاخصا بنظره تجاهه .
ولما وقف الجميع للخروج وكل واحد من أهل البلدة يحاول أن يرافق أحد الغرباء معه ، هذا الغريب إتجه جهة الإمام وعرض نفسه ضيفا عليه ، فتدخل أهل البلدة و أخبروه أن الإمام لا يحب كثرة الكلام ، فلا داعي لإزعاجه فسيرافقه أحدهم .
إلا أنه قال لا والله لن أزعجه ، فقط إرتحت لقرائته بالصلاة ، وأريد أن يسمعني المزيد من القرآن ، أشار إليهم "قدرة قادر" أنه سيرافقه ، فهو وجاره المقرب ضيفاه الليلة ، إستغرب الكل تجاوبه معه ، وأسرع جاره المقرب بإتجاه غرفة الإمام لإضاءتها للضيف وللإمام .
"قدرة قادر" وكشف المستور
وماأن دخلوا الغرفة ، حتى قال الضيف : (بالله عليك ياشيخ ! إسمح لي وإسمع مني ، أريد أن أفضفض لك بهمي ، فمنذ أن وقعت عيني عليك أحسست أن الحل عندك) .
فقال له الإمام : (إجلس أولا يا أخي ، وكيف يكون عندي أنا شيء ؟! وأنا العبد الفقير ؟ كل شيء بأمر الله ولاشيء عندي أوعندك ) .
فقال له الغريب : (أجل أعلم ذلك ، والله عليم بنا أجمعين ، لكني من أربعة أشهر مضت ، وبعد مرور شهر من زواجي إختفت زوجتي ، وخشيت أن يفتضح أمرها وتتداولها الألسن ) .
ثم تابع قائلا : (فقررت أن أبحث عنها سرا ، وأخبرت الأصدقاء أننا مسافرين لزيارة الأهل ، لأنني وهي كنا غريبين بتلك البلدة ، و تركت القرية ليلا ، ومنذ ثلاثة أشهر وأنا أتنقل متنكرا بين القرى ، لعلني أصادفها أو أجد خبرا عنها) .
فسأله الإمام : (وكيف لي أنا أن أساعدك بهذا الأمر ؟) فأجابه الغريب : (والله لاأعرف !! لكني منذ أن إلتقت نظراتنا بالمسجد تذكرتها ، ووالله لو لم تكن رجلا لقلت أنك هي) .
وهنا إنفجر الإمام وجاره باكيين فإستغرب الغريب بكاءهما !! فأجابه الإمام : ( أنا هي ، وإن الله على كل شيء قدير) ، فزاد إستغراب الغريب ؛ ومانطق بكلمة واحدة بعدها ، وأخذ الإمام يحكي قصته مع تساؤلاته الجاحدة حول قدرة الله عز وجل ...
وهنا تساءل الغريب :( لكنني خطبتك من أهلك ، وبعد سنة كان زواجنا ، وأنت تقول وضعت القدر فوق النار ، وتزوجتني والماء لم يغلي بعد ، ورجعت والماء يغلي والقدر تفور ماءها) . لكن جار الإمام قاطعهم : (كفاكم تساؤلات بأمور هي عنا أكبر ؛ إنه الله وهو على كل شيء قدير) .
فقاما الثلاثة تلك الليلة راكعين ، ساجدين ، لم يغمض لهم جفن إلى الفجر ، وبالمسجد أخبروا الكل قصتهما لتكون عبرة لمن يعتبر .
وتوادعا بعد الصلاة ، وكل منهما يدعو بالخير للآخر ، ومن يومها و"قدرة قادر" تغيرت أحواله ، وكل من يراه يحسه بعالم آخر بعيد ، هناك حيث الأقدار تتجارى في سباق مع الزمن ، فسبحان الله العلي القدير .
خاتمة
وهكذا تمت القصة ، وسألت جدي هل هي واقعية ، فأجابني أنهم توارثوها عن أجدادهم ، والله على كل شيء قدير .
وهنا قلت له: (ماكل هذا ياجدي!! إن الخيال الأمازيغي عجيب وجميل ، تصوير قوي لتجعلوا أبنائكم يصدقون بقدرة الله .
لكنكم محقين! إنه الله ربنا الذي يقول للشيء كن فيكون ، و هذاك الغريب ربما خلقه الله ليعطي الدرس للإمام وغيره من الجاحدين ، مثلما هو الحال مع أصحاب الكهف ، ماكانوا خلقوا إلا لقصتهم تلك ، ولله في خلقه شؤون).
فضحك جدي وقال: (كم أنتم جيل عجيب ، أنا حين سمعتها من جدي بهذاك السن ، كان همي ماذا سيقول الغريب لأهل القرية عند عودته) .
فأجبته : (أنه سيخبرهم أن زوجته مرضت بسفرها ، وتوفيت عند أهلها ، هذا إن لم يعتكف هو الآخر واعتزل العالم بغرفته مثل قدرة قادر!) .
ضحك الكل من فكرتي ؛ وضحكت منها ، واستسلمت لنوم مريح بعد قصة جدي التانية .
كتبت برمضان الكورونا
1441/2020
Written in Ramadan Corona